يتعجب البعض من وجود تشابه كبير _ في المواقف و الأساليب _ بين الصهيونية العالمية و بين ما يعرف في مشهدنا المحلي _ زوراً _ بالليبرالية , فمن الموقف المحارب للإسلام و أحكامه , إلى الموقف من قضاياه الكبرى , كالقضية الفلسطينية , إلى العديد من الدعوات الرامية إلى تغيير الواقع الاجتماعي , كتحرير المرأة و الحريات الدينية و غيرها الكثير مما تتطابق فيه وجهتي نظر كلا الحركتين , ما حدا بالمشرفين على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الاستعانة بمقالات لبعض الكتاب الليبراليين السعوديين ,و نشرها في الموقع لما رأوه فيها من دعم لوجهة النظر الصهيونية حيال بعض القضايا .
غير أن ذلك العجب قد ينقضي إذا علمنا أن تكوّن الليبرالية المحلية بدأ أساسا بأخذ خلية من جسم الصهيونية العالمية , تلا ذلك إجراء عمليات معالجة و تحفيز لهذه الخلية , و ذلك في معامل أمريكية متخصصة ,حتى أصبحت تلك الخلية في حكم البويضة المخصبة ، فتم بعد ذلك إعادة حقنها في عقول بعض أبناء هذا البلد من المتنفذين و فلول اليساريين و أعداء السنة , فكان أن تخلقت مولودةٌ جديدةٌ أسموها "الليبرالية ".
إذاً جاءت الليبرالية إلينا عبر عملية تعرف علمياً بالاستنساخ , نتيجتها أننا وجدنا أنفسنا أمام نسخة طبق الأصل من الكائن صاحب النواة (الصهيونية العالمية ) , وتحمل جميع صفاته الوراثية!
و لأنه لا يمكنني تتبع كل وجوه التطابق الجيني بين الحركتين ( الصهيونية العالمية & الليبرالية المحلية ) , فإني سأذكر فقط نموذج لإحد أهم المشتركات بينهما , ألا و هو ما يمكن تسميته بالقدرة المذهلة على المساومة و الابتزاز , عبر استخدام خطاب إعلامي تضليلي , لا يتورع عن التشهير بالخصوم , و ذلك لمنعهم من المواجهة أو حتى مجرد الانتقاد.
فقد درج الصهاينة منذ نهاية القرن التاسع عشر على تصفية خصومهم _كباراً كانوا أم صغاراً , ساسةً كانوا أم مفكرين _ تصفية معنوية و أحياناً قضائية , فضلاً عن التصفية الجسدية , وذلك بالاستعانة بسلاح تهمة "معاداة السامية", و هو سلاح لا يقل أهمية عن الستمائة رأس نووي التي تملكها إسرائيل , و قد استطاعوا به مساومة و ابتزاز كل من لا تعجبه سياستهم أو سياسة دو لتهم ( إسرائيل ), و إرهابه إرهاباً فكرياً يجعله عاجزاً حتى عن مجرد التصريح بالنقد , حتى وإن كان يهودياً , كما حصل لليهودي ( روني برومان) ، الرئيس السابق لأطباء بلا حدود، و الذي أُتهم بالخيانة و معاداة السامية بسبب انتقاده لسياسات دولة إسرائيل.
بل لقد تم استغلال هذا السلاح إلى أبعد حد ممكن , كما ذكر ذلك الكاتب اليهودي (دوني سيفر ) في كتاب " معاداة السامية.. المساومة غير المقبولة ", الذي شارك في تأليفه بالتعاون مع مجموعة كتاب ومثقفين يهود (فرنسيون وإسرائيلي وأميركية) , حيث بيّن أن الإحصاءات التي تنشرها بانتظام مختلف المنظمات اليهودية الفرنسية تعبث بالأرقام الخاصة بـ"الأعمال اللاسامية" وتفتقر للدقة والموضوعية , حيث يؤسس بعضها على مجرد اتصالات هاتفية , بل إن تحليل بعض الأرقام يظهر أن مجرد مشاجرة بين الجيران رفعت إلى مصاف عمل معاد للسامية !
و بالنظر إلى الكائن المستنسخ _ الليبرالية في نسختها المحلية _ فإنّا نجدها لا تختلف عن أصلها , فقد درج الليبراليون على التأسي بالصهاينة, فما أن ينتقد أحد الليبرالية حتى يتناوشه مرتزقة الصحافة من كل حدب و صوب , تنفيذاً لتعليمات يصعب تحديد مصدرها .
و من آخر من تناوشهم مرتزقة الصحافة بسبب انتقاده الليبرالية , الدكتور عبد الله الغذامي , فما كاد أن ينهي محاضرته في جامعة الملك سعود , و التي أبان فيها عن بعض الجوانب الحقيقية في الليبرالية المحلية , حتى انهالت عليه معلقات الهجاء الليبرالية , في مصادمة صارخة لجميع شعارات احترام المخالف الزائفة , غير أن المضحك حقاً هو أن أغلب أولئك الذين كتبوا أو " حمّروا عيونهم" دفاعاً عن الليبرالية المحلية هم في الحقيقة أول من ينكر وجودها أو انتماءهم لها , و ربما يكون سبب ذلك هو الخوف من العار الذي سيلحقهم بالانتساب لكائن نتج عن عملية تحظرها جميع الأديان و القوانين الدولية .
إن أولئك الذين صرخوا ملء أفواههم ألماً مما قاله الغذامي , تشبه حالتهم كثيراً حالة المريض الذي ينكر وجود علة في جسده , لكنه ما يلبث أن يبدأ بالصراخ بشدة إذا وضع أحدهم يده على موضع الألم , على أن الغذامي إنما قام فقط بالإشارة إلى المكان الذي كانت تستره ورقة التوت _ و التي تمت إزاحتها من قبله بزمن _ لكن الجديد في الأمر هو أن هذه الانتقادات أتت هذه المرة من غير طريق الإسلاميين.
و بالطبع فإن الواقفين وراء حركة الليبرالية السعودية , و هم يوعزون لأولئك الكُتّاب " أَكَلة العيش" بمهاجمة الغذامي ,إنما يريدون أن يثنوا الرجل عن موقفه من الليبرالية بالقوة , و ليؤكدوا أيضاً للجميع حرصهم على حماية جانب الليبرالية , و ردع كل من يتجرأ على نقدها بحقٍ أو بباطل , بل و يلحذروا في الوقت ذاته كل من تسول له نفسه الإقدام على مثل ذلك بأن عقاب التشهير و الهجوم الإعلامي سيكون مصيره !
كل ما سبق يجعلني أجزم بأنه في حال قيام دولة ليبرالية على الأراضي السعودية _ لا قدّر الله _ فإن أول مرسوم ليبرالي سيكون بشأن سنّ قانون معاداة الليبرالية , و الذي سيتم بموجبة تصفية كل من يريد التعبير عن انتقادها , و بالطبع سيكون شعار تلك المرحلة هي عبارة الفيلسوف الفرنسي فولتير , القائلة : " لا حرية لأعداء الحرية " , و صدق أحمد مطر إذ صوّر حال أصحاب الفكر الليبرالي في قصيدته " الحرية " , فقال :
وظننت بأني لن أعدم من يفهم معنى الحرية
فإذا بالهرج قد استعلى وأقيمت سوق الحرية
وخطيب طالب في شمم أن تلغى القيم الدينية
إن الحرية أن تشبع نار الرغبات الجنسية
كي لا ينمو الإسلام فتأتي قنبلة تفني البشرية
الحرية خمر يجري ونواد الرقص الليلية
لا حرية لا حرية لجميع دعاة الرجعية
لا حرية لا حرية أبدا لعدو الحرية
ناديت أيا أهل الإعلامْ.. أهذا معنى الحرية؟
فأجابوني بإستهزاء وبصيحات هيستيرية
الظن بأنك رجعي أو من أعداء الحرية .