ما إن يقترب موسم الحج حتى تتوافد جموع المسلمين من شتى بقاع الأرض ملبين نداء ربهم (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وينعموا بأعظم شعيرة دينية خص الله بمكانها أرض الحرمين، وأنعم على ولاة أمرها بشرف استقبال ضيوفه والقيام على شؤونهم وإكرام وفادتهم.فمن تنظيم قدوم الحجيج من كل الأقطار, والإشراف على حملات الحج في الداخل والخارج وحشد أكبر عدد من العاملين المدربين من شتى القطاعات إضافة إلى تجهيز المشاعر لاستقبال هذه الحشود من تهيئة المسجد الحرام توسعة وتنظيماً و تجهيز مناطق منى وعرفات ومزدلفة لنزول الحجاج ومبيتهم وأدائهم لمناسكهم من طواف ووقوف وسعي ومبيت ورجم ونحر براحة وطمأنينة.
ونحن في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز الاستعدادات والانجازات لحج هذا العام والتي كانت ثمرة لمسيرة طويلة من الجهد والعناء سعياً لتحقيق راحة الحجاج وسلامتهم وضمان أدائهم لشعائرهم على أكمل وجه
قطار المشاعر:
من أبرز الخدمات التي تم استحداثها للتيسير على الحجاج ابتداء من هذا العام "قطار المشاعر" والذي من المقرر أن ينقل الحجاج بين المشاعر قاطعاً المسافة بين "منى، ومزدلفة، وعرفات" في سبع دقائق، وسيتم تشغيله بواقع رحلة كل دقيقتين، وتحمل كل رحلة ثلاثة آلاف حاج، ويرتفع قطار المشاعر عن سطح الأرض ما بين ثمانية أمتار إلى عشرة أمتار، حتى لا يتسبب في عرقلة حركة المشاة أو السيارات التي تنقل الحجاج بين عرفة ومنى ومزدلفة. كما ويتيح لسكان مكة المكرمة استخدامه في رمي الجمرات ومن ثم العودة إلى مواقف السيارات، وسيقوم القطار بنقل الحجاج بطول 18 كلم في الأماكن المقدسة، ويتضمن كل موقع في منى وعرفات والمزدلفة ثلاث محطات، وتصل الطاقة الاستيعابية للقطار إلى 70 ألف راكب في الساعة، فيما تتراوح سرعته ما بين 50 إلى 70 كلم في الساعة.
جسر الجمرات:
ومما سوف ييسر على ضيوف الرحمن حجهم اكتمال المرحلة الخامسة من بجسر الجمرات لتنتهي بذلك بمشيئة الله تعالى أزمة التدافع عند رمي الجمار حيث يتكون الجسر من أربعة طوابق إضافة إلى الدور الأرضي ويستوعب قرابة 4 ملايين حاج ، كما تم تطوير ساحات كبيرة في منطقة الجمرات تستوعب مئات الآلاف من الرامين، وكذلك إيجاد نظام آلي لتنظيف الساحات وإيجاد نظام نقل ترددي بالقطارات ينقل الحجاج من مخيماتهم إلى جسر الجمرات ومن جسر الجمرات وقت النفرة إلى الحرم المكي الشريف ،مع ربط هذا الجسر بمخيمات الحجاج على سفوح جبال منى وإنشاء عيادات طبية ومصاعد إلكترونية إضافة إلى 12 مدخلا و12 مخرجا وربطها بالمخيمات عن طريق جسور معلقة.
ساحات إضافية:
هيأت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الساحات الشمالية والغربية للمسجد الحرام والتي تتسع لحوالي 500 ألف مصل، حيث تم تجهيزها من حيث فرشها بالسجاد وتوزيع المصاحف وبرادات مياه زمزم وتخصيص ممرات المشاة، ودعمها بمكاتب توعية، كما تم تزويد هذه الساحات بمكبرات الصوت وتخطيطها باتجاه القبلة وتوفير الخدمات الضرورية فيها، وتهيئة المعابر والمخارج المؤقتة من الناحية الشمالية من خلال إنشاء سبعة جسور مؤقتة وسلالم ومنحدرات للمعاقين .
تبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات 300 ألف متر مربع، إضافة إلى الساحة الشمالية الغربية للمسجد الحرام والتي تبلغ مساحتها 88 ألف متر مربع
ويشرف على الساحات إدارة خاصة تعمل لأربع وعشرين ساعة، ويعمل بها أكثر من 180موظفاً سيتم دعمهم خلال الموسم بإذن الله بأكثر من 70 موظفاً مؤقتاً، حيث تقوم الإدارة بتوزيع موظفيها على الساحات المؤدية إلى المسجد الحرام للقيام بمنع البيع والتسول وتهيئة الساحات لأداء الصلاة بها، وكذلك الإشراف على مكافحة الظواهر السلبية ورمي النفايات في الساحات
جاهزية صحية:
وجاءت إسهامات وزارة الصحة عن طريق إعلانها عن جاهزيتها لتقديم الخدمات الصحية لحجاج بيت الله الحرام التي تشمل الجوانب الوقائية والإسعافية والعلاجية تحت شعار "صحة ضيوف الرحمن لنا عنوان"، حيث جهزت الوزارة 145 سيارة إسعاف وهيأت 24 مستشفى و137 مركزاً صحياً بالمشاعر المقدسة والمدينة المنورة مزودة بأحدث الأجهزة الطبية، ويعمل بها كفاءات صحية مؤهلة تأهيلاً عالياً، كما تم تزويدها بجميع الأدوية التي يحتاجها الحجاج، إضافة لتجهيز أربع مهابط لطائرات الإخلاء الطبي .
وجندت الوزارة أكثر من 19 ألف موظف وموظفة من أطباء وفنيين وتمريض وإداريين لخدمة ضيوف الرحمن وتوفير الخدمات الوقائية والعلاجية بمختلف مناطق الحج والطرق المؤدية إليها،
كما تم إعداد خطط متعددة للطوارئ تشمل جسر الجمرات يوم العيد وأيام التشريق استعداداً لحشود الازدحام والتدافعات – لا سمح الله –وخطط للإخلاء من حوادث الطوارئ إضافة إلى لخطط الطوارئ الخاصة بالمرافق الصحية والتعامل مع حالات الأمراض المعدية والوبائية، وجسر الجمرات، وممر المشاة، والطرق المؤدية إلى جسر الجمرات، وتصعيد الحجاج إلى منى من عرفات وجبل الرحمة، والمنطقة المركزية
عربات مجانية:
بدورها وفرت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عربات مجانية تطلب من مكتب تسليم العربات بالساحة الشرقية للمسجد الحرام والمكتب الجديد الذي استحدث في نهاية الساحة الغربية من المسجد الحرام «الشبيكة».
وتقدم العربات لضيوف الرحمن كبار السن من الرجال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى، ويقوم بتشغيل هذه العربات مشروع «تعظيم البلد الحرام» ويصل عدد العربات التي وُفِّرَت حتى الآن 5 آلاف عربة.
ساعة مكة:
ولأول مرة في حج هذا العام سوف يتمكن الحجاج مشاهدة وضبط ساعاتهم على أكبر ساعة في العالم "ساعة مكة المكرمة" والتي يمكنهم رؤيتها من أي مكان في مكة وعلى مسافة (30) كلم.
ستمثل الساعة إضافة جمالية متميزة لمعالم مكة المكرمة، والساعة الجديدة والفريدة من نوعها رائعة من روائع الهندسة والتصميم المتقن، تم تطويرها من قبل مهندسين رائدين من ألمانيا وسويسرا إلى جانب فريق من المتخصصين من أوروبا ومن جميع أنحاء العالم، ويبلغ الارتفاع الإجمالي لبرج ساعة مكة (601) متر فيما يصل ارتفاع الساعة من قاعدتها إلى أعلى نقطة في قمة الهلال (251) متراً.
ويمكن رؤية أكبر عبارة (الله أكبر) فوق الساعة، حيث يصل طول حرف الألف في كلمة لفظ الجلالة (الله) إلى أكثر من (23) متراً، ويبلغ قطر الهلال (23) متراً، وبذلك يكون أكبر هلال تم صنعه حتى الآن، ويمكن رؤية عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فوق الواجهتين الجانبيتين للساعة،
وغطيت واجهة الساعة المزخرفة ب (98) مليون قطعة من الفسيفساء الزجاجية الملونة، ويبلغ طول عقارب الدقائق (22) متراً وطول عقارب الساعة (17) متراً، ويزن كلّ عقرب ستة أطنان صنعت من مادة "الكاربون فايبر".
وسيتم ضبط الساعة عن طريق توقيت مكة المكرمة المستقل الذي يأخذ معلوماته من خمس ساعات ذرية عالية الدقة تشكل الجزء الأساسي من مركز توقيت مكة المكرمة، وبعد الانتهاء من التشغيل التجريبي لساعة مكة الذي سيستمر ثلاثة أشهر، سيتم ربط مركز توقيت مكة المكرمة بشبكة التوقيت العالمي "يو تي سي" التي يوجد مقرها في باريس، وإضافة إلى ذلك ستبث هذه الإشارة الوقتية عبر قنوات التلفزيون الفضائية المحلية والعالمية وإلى الإذاعات المختلفة
توعية ميدانية :
وخصصت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد خمسة ملايين كتاب وشريط صوتي وقرص مدمج وفيلم إرشادي لتوزيعها على حجاج الداخل تشرح لهم أحكام الحج والواجبات والأركان والمسار الصحيح لأداء المناسك على الوجه الموافق.
كما أطلقت وزارة الصحة حملتها التوعوية لموسم حج هذا العام والتي تشمل العديد من الانشطة والفعاليات تحت شعار "صحتك زاد حجك" حيث سيقوم مركز معلومات الإعلام والتوعية الصحية بالإدارة العامة للإعلام والتوعية الصحية بوزارة الصحة بتقديم خدمة (صحة ضيوف الرحمن) التي ينفذها عبر الرقم المجاني 8002494444 بشكل يومي عبر استضافة مجموعة من كبار الاستشاريين في المملكة من مختلف التخصصات الصحية .
ويتولى المركز الرد على جميع الاتصالات للإجابة على استفسارات المواطنين والمقيمين الراغبين بأداء مناسك الحج لهذا العام كما يقوم المتخصصون بالرد على اتصالات الحجاج أثناء الحج حيث تتضمن الخدمة معلومات عن الاشتراطات الصحية الواجب توافرها في الحجاج والمعتمرين بالإضافة إلى معلومات إرشادية أثناء الحج وذلك اعتبارا من اليوم السبت.
وبدأت 80 قناة فضائية في بث باقة من الأفلام الإرشادية والبرامج التعليمة التي تشرح مناسك الحج والعمرة وصفة الزيارة للمسجد النبوي والعقيدة والشريعة والتربية والتفسير ونشر الأخلاق الحميدة وفق مجموعة من البرامج الجديدة والمبتكرة التي أنتجتها وأعدتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد،
حيث تم انتاج فلم تمت ترجمته إلى 11 لغة عالمية رئيسية، وهو عبارة عن دليل الحاج والمعتمر مدته 38 دقيقة، وتم نشره عبر مجموعة كبيرة من القنوات الفضائية العربية والإسلامية تجاوزت 80 قناة فضائية، ويتضمن شرحا مفصلا ومختصرا ومبسطا لمناسك الحج والعمرة والزيارة، بشكل جديد وأسلوب فريد وغير مكرر
كما أطلقت المديرية العامة للدفاع المدني ممثلة في الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بالحج، قناة خاصة لتوعية ضيوف الرحمن بشروط السلامة خلال موسم الحج ، وذلك ضمن خطة متكاملة للاستفادة من وسائل الإعلام الجديد وتقنيات الاتصالات والمعلومات المتطورة، في تنفيذ البرامج التوعوية وبث الرسائل الإرشادية والتحذيرية ضد المخاطر المحتملة في الحج.
كما تتضمن الحملة صفحات توعوية على الموقع الاجتماعي "فيس بوك" وموقع "تويتر"، وخدمة الرسائل عبر الجوال "SMS"، إلى جانب عدد من الرسائل التلفزيونية والإذاعية باللغتين العربية والانجليزية، يتم بثها عبر التليفزيون السعودي والإذاعات الوطنية.
متابعة دقيقة:
قام مركز عمليات الدفاع المدني بمنى بوضع 500 كاميرا تليفزيونية لمتابعة حركة الحجاج في العاصمة المقدسة والمشاعر خلال موسم الحج لهذا العام على مدار أربع وعشرين ساعة ترصد حركات ضيوف الرحمن عبر الموانئ والمطارات والمنافذ البرية والطرق الموصلة إلى مكة والمدينة المنورة.
وتتابع الكاميرات بالصوت والصورة عبر شاشات متعددة المقاسات وإرسال الأحداث إلى المسئولين مباشرة في 460 مركزا في العاصمة المقدسة والمشاعر لتقديم التقارير الفورية لقيادة الدفاع المدني والتعامل معها بشكل مناسب.
ويرصد أكثر من 80 من ضباط وأفراد الدفاع المدني, من العاملين في مركز عمليات الدفاع المدني في منى, مواقع المخاطر المحتملة خلال موسم الحج, وفى مقدمتها مخاطر الأمطار والسيول, والمخاطر المتوقعة في مساكن الحجاج, من خلال مجموعة من الخرائط الإلكترونية.
وتأتي مشاركة الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حج هذا العام 1431هـ بهدف لخدمة الحجاج ومساعدتهم على أداء النسك بالوجه المشروع بالتعاون والتنسيق مع كافة أجهزة الدولة العاملة في الموسم .
فقد تم تكليف الأعداد الكافية من أعضاء الهيئة للمشاركة في الموسم موزعين على ثمانية مراكز توجيهية في عدة مواقع ويساندهم في عملية التواصل 80 مترجماً هدفهم إبراز الوجه المشرق لهذه البلاد وحضارتها الراسخة.
كما تم تخصيص 37 فرقة ميدانية موزعة على أربع ورديات طول اليوم خلال فترة الحج تتولى مهمة التوجيه والإرشاد بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن. مع توزيع المواد التوجيهية وضبط المخالفات.
جهود خيرية:
يقوم أكثر من 1000 شاب متطوع من فرق الندوة الشبابية، بخدمة الحجاج في المشاعر المقدسة، كإرشاد التائهين إلى مقر حملاتهم، ومساعدة العجزة وكبار السن في الوصول لتجمعاتهم، إلى جانب حمل أمتعتهم الثقيلة، بالإضافة إلى مساعدة المرضى منهم، وإعطائهم بعض الإسعافات الأولية السريعة، وتوزيع الكتيبات التعريفية بالحج ومناسكه بلغات مختلفة.
كما تنفذ مشروع "حفظ أمتعة الحجاج في المشاعر المقدسة"، والذي استحدثته ليتفرغ الحجاج للعبادة دون الانشغال بأمتعتهم والخوف عليها حيث دربت الندوة مجموعة من الشباب المؤهلين، وصل عددهم إلى أكثر من 130 شاباً لتنفيذ المشروع، من خلال حفظ أمتعة الحاج إلى حين عودته من عرفات أو من رمي الجمرات.
و ينظم المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في حي البديعة بالرياض هذا العام ضمن مشروع "حجة الإسلام". رحلة الحج لحوالي 860 مسلم من الجاليات المقيمة في المملكة, حيث يهدف المشروع إلى تأدية المسلمين خاصة الجدد منهم لركن من أركان الإسلام وهو الحج، وتأدية مناسكهم كما أداها النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلم أمور دينهم.
ولا تقف الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن عند حد, فعام بعد عام وأعداد الملبين لنداء ربهم في توسع مستحثة المساعي المباركة في استضافتهم واستيعابهم مستمدة العون والتوفيق من العلي القدير لخدمة بيته ورعاية ضيوفه.