كان الله في عون المقدسيين الأبطال الذين ينوبون عن مليار ونصف مليار من المسلمين في مواجهة العدوان اليهودي الصليبي على المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، فهو مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وثالث المساجد التي لا تُشَدُّ الرِّحال إلا إليها!!
بصدور عارية تضم قلوباً مؤمنة، يتصدى أهل بيت المقدس لأشرس بشر في تاريخ البشر، وبحجارة الأرض المباركة يقذفون جيش الاحتلال المدجج بأحدث ما في ترسانة الصليبيين الجدد من أدوات القتل والبطش!!
وحدهم بلا سندٍ إلا من ربهم الذي توكلوا عليه وحده، يواجهون الوحوش المتعطشة للدم، والدبابات المتلهفة للهدم، فالمسلمون كثرٌ ويتشوقون لنصرة قضيتهم الكبرى، لكن جماهيرهم محجوبة عن الحرب المفروضة على أشقائهم، من قبل حكومات تضع حماية العدو الاستئصالي النووي على رأس مهماتها، فهي تشاطر هذا العدو الهمجي والجبان في الوقت نفسه، مشاعر الذعر من أناس ليس في أيديهم سوى الحجارة، ويتواطأ العالم كله من أجل تركيعهم!!
إن هذه الصورة المؤلمة غير مسبوقة، حتى ما جرى من حفنة من الحكام الصغار في فترة الحروب الصليبية القديمة، فيومئذٍ لم يتمكن العملاء من تأمين طوق كامل لحماية سادتهم من سيوف المسلمين وسنابك خيلهم.
أما اليوم فالصمت المريب هو سيد الموقف بعامة، إذ إن الاستنكار اللفظي الباهت التقليدي أصبح في عهد أوباما فوق طاقة نظام عربي رسمي مهترئ.بل إن الصمت-وهو مشاركة في الجريمة-لم يعد كافياً لدى البيت الأبيض، ما دام سيف الابتزاز الأمريكي مسلطاً، والقابلية العربية للخنوع مطلقة وعلنية، فلقد باتت المهمة المطلوبة من جامعة الدول العربية توفير الغطاء لعصابة رام الله كي تكمل مهزلة التفاوض الشائنة، مع عدو لا يبقي لها ما تتفاوض عليه سوى مكاسب رخيصة لأبنائها المتغطرسين وجلاديها المنتفعين ببيع فلسطين كلها!!
وإن ثبات المقدسيين ضد الهجمة الصهيونية الضارية أسقط ما بقي من أوراق التين عن عباس وزمرته، فحركة حماس التي يتخفى وراءها لإطالة عذاب أهل غزة ليست مسيطرة على الضفة الغربية التي يفترسها اليهود ويتركون لأدوات رام الله دور كلاب الحراسة.
وعصابة أوسلو التي تقمع شعبها ليواصل اليهود مسيرة تهويد القدس وما حولها، ما زالت تمنع الفلسطينيين في مدن الضفة التابعة لها حتى من الاحتجاج السلمي الجماعي المنظم، أي في حدود شعارات البهائيين الحاكمين بأمرهم ضد الشعب الذي فرضهم الاحتلال زعماء قسريين عليه!!وإذا كانت سياسة حظر التفاعل الشعبي "العباسية"مفهومة في أثناء مجزرة اليهود في غزة، بذريعة بغض حماس وكراهية المقاومة المسلحة، فكيف يفهم –حتى المجانين!!-ممارسة البطش للغاية ذاتها، وهي الحيلولة دون نجدة أهل الضفة لإخوانهم المعزولين في القدس الأسيرة؟
وفي المناسبة، فإن الأمة صارت محصّنة في وجه حملات التضليل التي يتفنن بها أشياع التفاوض من أجل التفاوض حتى تهويد آخر شبر من فلسطين ونسف المسجد الأقصى!!
فنحن نعي تماماً إفلاس هؤلاء عندما يحاولون تحريف القضية عن موضعها، بإشغالنا في تفسير الخلافات الشكلية العابرة بين واشنطن وتل أبيب، وتقديم المسألة في صورة لغز يتعذر حله، ألا وهو : من الذي يقود الآخر أمريكا أم الكيان الصهيوني؟ومن هو الأقوى: أوباما أم نتنياهو؟فالموقف الجلي لعامة المسلمين هو اللامبالاة بتلك اللعبة السخيفة. أجل فنحن نوقن أنهم كلهم أعداؤنا، وليس يعنينا من هو صاحب القول الفصل فيهم، فهم يتنافسون أصلاً في الكيد لنا، ويتفاخرون دائماً في تقديم الشد عداء لنا والأعمق بغضاً لديننا.