ليس هناك وضع سئ يمكن أن يشبه به الوضع الفلسطيني، ولا سيما في قطاع غزة، في الذكرى السنوية ليوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ( 28 نوفمبر من كل عام )، حيث أنه الأسوأ على الإطلاق. بينما يمكن أن نطلق على ما يجري داخل الخط الأخضر، ما ينبغي وصفه بأنه أشبه ما يكون بوضع المرسكيين في الأندلس، ويمكن بدون أي تردد وصف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بأنهم "المركسيون الجدد ".
وقد يجد جميع سكان فلسطين بما في ذلك الضفة الغربية وغزة أنفسهم في نفس هذا الوضع، بعد أن كشفت أمريكا والاتحاد الأوروبي الأقنعة عن وجهيهما الحقيقي من خلال رفض إعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، في تماهي واضح مع رفض الكيان الصهيوني، ومحبطين في الوقت ذاته مساعي اللجوء إلى مجلس الأمن للحصول على حق اعلان الدولة الفلسطينية على حدود 1967 م.
لقد مر على احتلال فلسطين 61 سنة، ويبدو أنها غير كافية للغرب ليعترف بحق فلسطين في تقرير المصير، بينما قضايا أخرى كتيمور الشرقية مثلا لم تأخذ سوى سنتين فقط ؟!!!
لقد كان الرفض الصهيوني المدعوم أوروبيا وأمريكيا صفعة لمعسكر، الاعتدال العربي، وصفعة لمحمود عباس الذي فقد جميع فرص المناورة، بعد أن وصلت المفاوضات العبثية إلى طريق مسدود مع الاحتلال الصهيوني باعترافه. وأنه لم يترك أمامه خيارا سوى التقدم لمجلس الأمن بطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. وقد سمع محمود عباس الرد الغربي فما هو فاعل ؟! وما قيمة دعم معسكر الاعتدال للمبادرة الفلسطينية الداعية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بعد رفض واشنطن وبروكسل للمبادرة مما يؤكد على وجود مؤامرة على القضية الفلسطينية بتصفيتها من خلال الانقسام، وتقسيم الفلسطينيين بين راديكاليين ( حماس ) ومعتدلين ( عباس ) للعب على وتر الخلافات، وتضييع الوقت في مفاوضات عبثية لا طائل من ورائها.
إن الموقف الغربي، والصمت العربي على إفشال المبادرة الفلسطينية، يؤكد صحة توجهات حماس والجهاد الاسلامي، وفصائل المقاومة الأخرى، وهو ما عبر عنه خالد مشعل " الفكرة التي اقترحتها السلطة الفلسطينية غير مجدية طالما أنها مستمرة في العمل ضد المقاومة والتعاون مع العدو عندما يتعلق الأمر بالأمن ".
ولا بد من التأكيد أيضا على إن أي انتقادات غربية للكيان الصهيوني لن تغير الوضع على الأرض طالما لم يتخذ موقف دولي حازم مدفوع بواقع المقاومة على الأرض، وبتضحيات الشعب الفلسطيني. إذ أن المفاوضات لم تحقق أي شئ للشعب الفلسطيني، وسط استمرار الكيان الصهيوني في بناء المستوطنات، ومنها 900 وحدة استيطانية جديدة شرقي القدس. ولم تتخذ واشنطن أي اجراء ضد الكيان الصهيوني، فضلا عن تحرك الأمم المتحدة، ومجلس الأمن في هذا الاتجاه. فعندما ظهر الجد، كشر الغرب عن أنيابه لمحمود عباس، ولمعسكر ( السلام العربي ). وإذا كان الغرب يرفض المقاومة، وفي نفس الوقت يرفض إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 م، فما الحل الذي يراه مناسبا للقضية الفلسطينية ؟
إن المواقف الأخيرة للدول الغربية تؤكد على أنها متواطئة مع الكيان الصهيوني، وأنها تريد تصفية القضية دون أن يحقق الفلسطينيون أي من أهدافهم بما في ذلك دولة على حدود 67 عاصمتها القدس الشرقية. بل إن الدولة التي يرونها في حالة وجود نية لاقامة دولة فلسطينية، هي دولة الجزر المعزولة والمنزوعة السلاح، وربما بدون القدس فضلا عن ( إلغاء ) عودة المهجرين. وحتى هذه الدولة وكما يبدو أيضا مجرد رسم على الماء، ونفخ في الهواء لإلهاء عباس ومعسكر السلام العربي. هذا إن لم يكن جميع هؤلاء شركاء في المؤامرة الكبرى. وإلا بماذا نفسر هذا الدوران في حلقة مفرغة، وطحن الماء، وحتى الهواء، منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى اليوم.
إنها المفاوضات الملهاة والسلام الملهاة منذ ما يزيد عن 60 سنة.
وضحايا الحصار في غزة تجاوزوا 355 ضحية إضافة لأكثر من 1400 شهيد و6 آلاف جريح في العدوان الماضي.ولا تزال التقارير تتحدث عن استعدادات صهيونية لحرب جديدة في غزة.
لذلك نحمل الحكومات الاسلامية عربية وغيرها مسؤولية ما يجري في فلسطين. فالأمة والتاريخ والأجيال لن ترحمهم.وندعو البرلمانات في البلاد الاسلامية للتحرك على المستوى العالمي للتعريف بمظلمة العصر وكذلك الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام بمختلف اللغات.
ولعل مسيرة عالمية نصرة لغزة تنطلق في بداية العام الميلادي الجديد، تكون بداية لتسلم الأمة قضية فلسطين من المتواطئين، والسذج والعاطلين، ومن يشعرون بأن لا حول ولا قوة لهم. فلا بد من الاستعداد في جميع أرجاء العالم لاحياء محرقة غزة بداية من 27 ديسمبر القادم وحتى يوم 3 يناير 2010 م. وجميع المسيرات تنطلق نحو السفارات الغربية لايقاظ الراي العام العالمي. ولا عذر لمن يراقب ولا يشارك ولا يساهم ولو بالقليل، في أكبر تحدي نضالي منذ 1948 م يهدف لرفع الحصار الذي وصفه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية بحق في رسالته، لبان كي مون، بأنه " جرائم ضد الانسانية " وتشارك الميآت من المنظمات الاسلامية والعالمية في هذه التظاهرة الكبرى.