تصاعدت منذ بداية شهر مايو الحالي أزمة مياه حادة بين دول حوض النيل الأفريقية الـ 10 بسبب مطالب قديمة لدول منابع النيل السبع بإعادة توزيع أنصبة مياه النيل المقسمة في اتفاقية عام 1929 والتي تعطي لمصر بموجبها 55.5 مليار متر مكعب من المياه، ما أثار بقوله تساؤلات حول ما إذا كانت حروب المياه قد بدات مبكرا في المنطقة وسر تحريكها الأن ومن وراء إثارتها، وتوالي التصعيد مع إعلان مصر رفضها توقيع "الاطار القانونى والمؤسسى لمياه النيل" لأن الدول الأفريقية الأخري رفضت الاعتراف بحقها القديم في حصتها من مياه النيل .
وكي لا يتوه القارئ في تفاصيل غامضة، نشير لأن القصة كلها ترجع الي اتفاقية 1929 التي أبرمتها بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق إفريقيا مع مصر وهي حددت نصيب مصر من مياه النيل بت 55.5 مليار متر مكعب، وألزمت دول منابع النيل وبحيرة فيكتوريا بعدم القيام بأي مشاريع مياه بدون موافقة مصر، وتمنح هذه الاتفاقية مصر حق النقض "الفيتو" على أي مشروع بشأن مياه نهر النيل من شأنه التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إلى مصر، باعتبارها دولة المصب .
الجديد هو أن دول المنبع الأفريقية – التي تنبع مياه النيل من أراضيها وتصب في مصر والسودان – بدات تطالب منذ عام 2004 بحقها في إقامة مشاريع سدود وجسور علي مسار النيل بحجة توليد الكهرباء والزراعة الدائمة بدل الزراعة الموسمية، وتطالب بتوقيع أتفاق جديد بخلاف أتفاق 1929 بدعوي أن من وقع الأتفاق هو بريطانيا التي كانت تحتل أوغندا واثيوبيا وباقي دول منابع النيل، وظهر أن وراء هذه التحركات الأفريقية أصابع امريكية وصهيونية للضغط علي كل من مصر والسودان .
ووصل الأمر لحد قول وزير الثروة المائية التنزاني إن بلاده ستمد أنابيب بحوالى 170 كيلو مترا من بحيرة فيكتوريا لتوصيلها إلي حوالي 24 قرية وأجزاء واسعة في الشمال الغربي لبلاده تتعرض لازمة المياه والجفاف، وانها لا تعترف بأتفاقية مياه النيل التي تعطى الحق لمصر على أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه قائلا أنه أتفاق "لا يلزم بلاده، وأنها لم تلتزم بهذا الاتفاق وستمضى قدما في إنشاء مشاريعها دون استشارة مصر " .
المفترض أن تستضيف مصر إجتماعا علي مستوي رؤساء الدول في أواخر يوليه المقبل 2009 لبحث ما سمي(الاطار القانونى والمؤسسى لمياه النيل) الذي سعت القاهرة والخرطوم لتوقيعه مع دول حوض النيل لإرضائهم وتوفير بعض المزايا المائية لهم بدون المساس بحصة مصر والسودان من مياه النيل، وسبق هذا عقد إجتماع لوزراء المياه في الكونغو الديمقراطية يوم 21 مايو الماضي للاتفاق علي بنود هذا الاطار وتوقيعه، ولكن مصر والسودان فوجئوا بأن دول منابع النيل صاغت الاطار بصورة لا تحفظ حقوق مصر والسودان المقررة في اتفاقية 1929 فرفضت التوقيع وثارت أزمة اشتم منها الخبراء بوادر حرب مياه في المنطقة .
وحلا للمشكلة اقترحت دول المنابع السبع أن يتم وضع البند الخاص بالامن المائى رقم 14ب فى ملحق للاتفاقية واعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله خلال ستة شهور من تاريخ توقيع الاتفاقية وانشاء هيئة حوض النيل المقترحة فى اتفاقية، ولكن مصر رفضت هذا المقترح وطرحت بدلا منه صيغة توافقية وفشل الاجتماع لتمسك كل طرف بموقفه .
ثم رفضت الحكومتان المصرية والبريطانية مشروع هرتزل الخاص بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه النيل لأسباب سياسية تتعلق بالظروف الدولية والاقتصادية في ذلك الوقت.
وإزاء ردود الفعل على هذه التصريحات سواء من إثيوبيا أو المعارضة المصرية ألقى مصطفى خليل رئيس الوزراء المصري بياناً أنكر فيه هذا الموضـــوع قائلاً: "عندما يكلم السادات الرأي العام يقول: أنا مستعد أعمل كذا فهو يعني إظهـــار النية الحسنــــة ولا يعني أن هناك مشروعــاً قد وضــع وأخـذ طريقه للتنفيذ !!.
ولقد دأبت العواصم المعنية بدءاً من أديس أبابا مروراً بالقاهرة وانتهاء بتل أبيب على نفي هذه الأنباء. والاحتمال الأرجح هو تورط (إسرائيل) بالمشاركة في مساعدة إثيوبيا في إنشاء السدود على النيل الأزرق.
وهكذا عادت المناوشات بين دول حوض النيل (عشر دول) للظهور خاصة بين مصر وتنزانيا، وانضمت إلى هذا المبدأ أوغندا وكينيا وطلبت الدول الثلاث من مصر التفاوض معها حول الموضوع، ثم وقعت تنزانيا مع رواندا وبوروندي اتفاقية نهر كاجيرا عام 1977 التي تتضمن بدورها عدم الاعتراف باتفاقات 1929، بل وطلبت حكومة السودان بعد إعلان الاستقلال أيضًا من مصر إعادة التفاوض حول اتفاقية 1929.
أيضًا أعلنت كينيا رفضها وتنديدها -منذ استقلالها- بهذه الاتفاقيات القديمة لمياه النيل لأسباب جغرافية واقتصادية، مثل رغبتها في تنفيذ مشروع استصلاح زراعي، وبناء عدد من السدود لحجز المياه في داخل حدودها.
وقد لفت كتاب العميد (فرجى)إلي ما فعلته (إسرائيل) لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر، وكيف إنها انتشرت في قلب إفريقيا (في الفترة من عام56 إلى77 أقامت علاقات مع32 دولة افريقية ) – لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط علي مصر .