بين يدي السطور:
قبسات وهمسات.. نفحات ولفحات.. في زمن زاد فيه "دبيب البغضاء"! مدارها: شوائب تكدّر الصفاء، وتشوّه وجه الإخاء! ومدادها: قطرات ندى للأخلاّء.. وعبرات من عيون الأوفياء.
قبسات
قال الله جل وعلا: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..} (آل عمران: 103.(
وقال سبحانه:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال:63(
وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (متفق عليه، عن أنس رضي الله عنه(.
مقدمة
"الأخوة في الله" معلم عظيم من معالم الدين، وركن ركين من أركان المجتمع الإسلامي، وشعور كريم نبيل يحمل النفوس على البر والوفاء، والبذل والعطاء دون انتظار جزاء.
هي سر مكنون من أسرار هذا الدين؛ أودعه المولى الجليل في قلوب المؤمنين {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 62-63(
ولو لم يكن إلا منّته سبحانه بهذه الصلة المباركة بين القلوب في الدنيا لكفـت، لكنه بفضله وإحسانه زادهم فوقها منناً يغبط بعضهم بعضاً عليها في الدنيا والآخرة، بل يغبط الأنبياء والشهداء من نال حظه منها يوم القيامة، كما في الحديث القدسي "قال الله تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء" (رواه الترمذي عن معاذ، وصححه الألباني(
وفي دواوين السنة ما تهفو وتتلهف إليه النفوس من الفضل العظيم لهذه الصلة العظيمة، والآصرة الكريمة، في أحاديث معلومة مستفيضة، وفي السيرة العطرة لخير البشر وخاتم الرسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأبرار رضي الله عنهم، من عجائب الإخاء، ما يحسبه المحرومون منها خيالاً، وفي تاريخ القرون الأولى ومن تبعهم بإحسان حتى هذا الزمان مزيد.
ثم خلفت خلوف من هذه الأمة، لم تؤد حق هذه الأخوة، ولم ترعها حق رعايتها:
فمنهم مأخوذون بها غير آخذين!
ومنهم قوّالون منها بما لا يفعلون!
ومنهم آخذون بما لهم.. ولما عليهم مطففون!
"زغل" طغى.. وأزبد ورغا، حتى محا، أو كاد، حقيقة الوداد، إلا من رحم الله فأدرك حظه من بقية