بعد أن غادر وادي سوات الباكستاني أكثر من مليون نازح للنجاة من نار المعارك المضطرمة منذ أن أعلن الجيش الباكستاني بدء معركته مع حركة طالبان الباكستانية يوم الخميس الماضي، ما زال الصمت مطبقاً على المنظمات الدولية وما يُسمى بالمجتمع الدولي تأكيداً لنزعتهما المنافقة فيما يتعلق بمأساة إنسانية كبرى بدأت إرهاصاتها مع عجز السلطات الباكستانية عن توفير ما يحتاجه النازحون.
لم تلق الأزمة الإنسانية هذه لحد الآن ما يطمئن المعنيين بأن ثمة من سيتحرك إنقاذاً لهذه الكتل البشرية الهاربة من الوادي الجميل؛ فمنظمة المؤتمر الإسلامي بكل أعضائها لم تسمع أصوات الأطفال والنساء الذين أخرجوا من ديارهم أو خرجوا اضطراراً وهو ألوف بل مئات ألوف حذر الموت، ولم تأت لمعظم أعضائها الأوامر بعد لتسأل سفراء باكستان عما تحتاجه هذه الدولة الفقيرة من معونات لإنقاذ هؤلاء فضلاً عن أن يستفسر المعنيون عن حاجة باكستان ـ كما تسأل أمريكا إسلام آباد عن كل صغيرة وكبيرة أو تأمرها فيما لا تعتبره تدخلاً في شؤونها الداخلية إذا كان من واشنطن ويخدش "الكبرياء الوطني" إن جاء في دولة مسلمة!! ـ للمعونات وهي تصنع أزمة إنسانية لا قبل لها بها.
باكستان التي ازدادت فقراً إلى فقر بـ"بركة" المعونات الأمريكية التي كانت محل شؤم على البلاد لم تعد جزماً قادرة على القيام بمغامرة كتلك دون أن تسبب معاناة هائلة لشعبها كونها عاجزة عن توفير أبسط مقومات الحياة للنازحين، وكان لزاماً عليها ألا تندفع هكذا مع أول أمر أمريكي للرئيس الباكستاني الذي كان يزور واشنطن حين بدأت المغامرة في وادي سوات الأسبوع الماضي ببدء المعارك، ومع أول تقريع لحكومته بكونها "هاشة جداً" كما ورد على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
صحيح أن الطغمة الطائفية الحاكمة المتسلطة على الشعب الباكستاني لا تعنيها حياة الفقراء من الغالبية السنية في البلاد، لكنها اليوم تقف أمام استحقاق إنساني لا تضمن قدرتها على تحمل ثمنه الباهظ، والهشاشة التي يستفز بها أوباما نظيره الباكستاني لارتكاب حماقة في وادي سوات، ستزداد خواء مع تنامي المعارضة الشعبية لهذا التعامل الحربي مع المواطنين في الوادي.
إنها حماقة جامعة تودي باستقرار باكستان ككل يندفع إليها من لا يرجون لبلادهم أن تكون حرة مستقلة دون اكتراث بما ستسببه لهم من تراجع في كل صعيد، وأولها صعيد التماسك البنيوي الداخلي للبلد المتعدد الأعراق والطوائف.
قد كان ممكناً لسلطة تحترم ذاتها في إسلام آباد أن تستغني عن المساعدات الأمريكية المشؤومة، وتباشر خطة نهضوية لتحقيق الهدوء في الإقليم، وتهيئة وادي سوات المعروف باسم "سويسرا الشرق" ليكون مزاراً سياحياً يجتذب الأسر العربية الراغبة في سياحة نظيفة في بلد إسلامي محافظ، لكنها لم تفعل، ولن تفعل لأنها رهنت نفسها لتكون خادمة للاحتلال الأمريكي فحصدت شوك التقسيم والاضطراب.