إذا قيل-في لبنان-: "الضباط الأربعة" فاعلم أن المقصود هم قادة الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس السابق إيميل لحود، الذين أشارت إليهم أصابع الاتهام عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ثم تعزز الاشتباه بتواطئهم- وليس مجرد إهمالهم – من خلال لجنة التحقيق الدولية التي أوصت باعتقالهم على ذمة التحقيق، وطال الاعتقال نحو أربع سنوات، حيث أطلقتْ سراحَهم المحكمةُ الدولية الخاصة بلبنان قبل أيام، وذلك لعدم وجود أدلة كافية في الوقت الحاضر،تكفي للإبقاء عليهم وراء القضبان.
إلى هنا، كان المفترض التعامل مع المسألة في إطار القانون وسير المحكمة الدولية التي انطلقت مؤخراً بعد طول انتظار ومحاولات للعرقلة من مختلف الأحجام والأصناف، لكن "حزب الله" بزعامة حسن نصر الله أبى إلا إقامة عرس غير مسبوق، لم يقتصر على الحفاوة بالضباط المفرج عنهم وكأنهم أتوا بمفاتيح القدس!! بل اشتمل تحديداً على مهرجان مفتوح من السب والهجاء للفريق اللبناني الآخر-فريق 14آذار-الذي يسميه حزب ولاية الفقيه وأشياعه: فريق السلطة،بينما يمتلك الحزب وتوابعه في هذه السلطة ثلث مقاعد الحكومة مضافاً إليه مقعد يكفل لهم تعطيل الحكومة بحسب رغبة "السيد" ومصالح سادته في قم.
فهل الضباط مجرد ذريعة لنصر الله لاستخدامهم وقوداً في برنامج طهران الإقليمي الممتد من تخوم الخليج العربي إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط-في لبنان ثم مصر أخيراً!!!-؟
والحقيقة هي أن الضباط الأربعة أكبر لدى الحزب من استعمالهم كطلقات احتياطية في حملته للاستيلاء على لبنان كاملاً وتسخيره لخطط نظام الآيات وأطماعهم وتقاسمهم النفوذ ولو في نطاق الخدمة المباشرة لتل أبيب وواشنطن معاً؛ فلعصابة الأربعة أهمية عند نصر في الشكل والمحتوى، في الرمز والواقع، وهم شديدو الأهمية لنسف محكمة الحريري (قناة المنار أعلنت فوراً نعيها للمحكمة بقولها: طارت الحقيقة!!) وكذلك هم شديدو الحيوية للتمهيد لاستعادة زمن الوصاية السورية الأثيرة التي صنعت الحزب وفرضت بالقوة احتكار السلاح في يد الشيعة الاثني عشرية دون سائر الطوائف والمذاهب في لبنان.
وليس خافياً أن التصارع في لبنان بين فريق راهن على الأمريكيين متوهماً أنهم سوف يوظفونه بدلاً من توظيف السوريين على مدى ثلاثة عقود، وفريق يسعى إلى تجديد الوكالة السورية ولو بشروط مختلفة! علماً بأن الهدف الأكبر(تحالف الأقليات) أصبح اليوم أقرب إلى الجهر به، في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، التي وقعت في السنوات العشر الأخيرة بالذات.
ومحلياً، يمكن النظر إلى عرس عصابة الأربعة كوسيلة تساعد نصر الله في ضرب القضاء اللبناني، بعد سيطرته الفعلية على البرلمان عبر نبيه بري، وتعطيل الحكومة بناء على اتفاق الدوحة الذي فرضه سلاح الحزب في 7أيار(مايو)2008م، وترهيب رئيس الجمهورية الحالي.
ولا يكترث نصر الله بأن إطلاق عصابة الأربعة من قبل محكمة الحريري الدولية ينسف دعايته ضدها على امتداد أربع سنوات وهي أنها مسيسة ضده وضد حلفائه في داخل لبنان وفي المنطقة؛ فهو بارع في التضليل، ولديه قطيع لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم!! ولن يهتم نصر الله بالتناقض بين حملته على القضاة في لبنان وبين واقعة يظن أن ذاكرة الناس القصيرة قد طمستْها؛ فالقانون الذي يجيز التوقيف غير المحدد كان من صنع حلفائه في ظل الوجود السوري قبل عام 2005م. بل إن إصداره كان مهزلة عندما تم إجبار النواب على تبديل تصويتهم علانية خلال أسبوعين لتمرير القانون الذي طبقه القضاة الذين يشتمهم نصر الله وأبواقه.
وسوف يتجاهل حزب الآيات كذلك، أن ضباطه الأربعة لم تبرئهم المحكمة فالذي أفرج عنهم هو قاضي إجراءات ترك المجال لملاحقتهم وملاحقة سواهم مفتوحاً.
وأخيراً، فليتوقف العاقل متسائلاً: إذا كان حقدهم على الحريري التغريبي الذي يمزج العلمنة بالتصوف، إذا كان حقدهم على رجل كهذا بهذا الحجم فكيف هم مع المسلمين الملتزمين؟ ناهيكم عن خدمات الحريري الضخمة لهم ولحلفائهم متوهما أن الرضوخ للذئب يجعله أليفا!!