تتحول المعركة من أفغانستان إلى باكستان, حتى أصبحت المعركة الجارية هناك هى حول باكستان أكثر مما هي حول أفغانستان, باكستان الآن تتهددها " كل مهددات امنها القومى " وسط أجواء ورياح عاتية على كل المستويات ومن كل الاتجاهات.
المعركة لم تعد تجرى على أفغانستان فقط , أو لنقل أن المعركة الجارية الآن, تستهدف أفغانستان وباكستان, وأن القلب فيها هو باكستان , على اعتبار أن باكستان هي الأساس في وجود وقوة المسلمين في تلك المنطقةمن العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا, أو لأنها هي "الدولة القائمة" بينما أفغانستان هي الدولة المفككة والأضعف منذ خروج الروس وحتى الآن, ولأن حسم المعركة الأفغانية لم يعد ممكنا إلا بحسم المعركة الباكستانية, إذ تحول الصراع إقليميا, ودوليا, يستهدف باكستان التي ضعفت جراء ما حدث ويحدث في أفغانستان وممتدا إلى داخلها, وما يجرى على الحدود الهندية الباكستانية.
باكستان مهددة الآن, من خلال نقل عمليات قوات الاحتلال الأطلسية بقيادة الولايات المتحدة, إلى أرضها. الأمر لا يقتصر فقط على قيام طائرات الأطلسي بالإغارة اليومية على مناطق داخل الحدود الباكستانية, بل لأن هذه الغارات تعمق الجرح الغائر في جسد علاقات المجتمع الباكستاني مع الدولة, وتظهر تحالف سياسيا وعسكريا بين السلطة السياسية القائمة والجيش, مع قوات الأطلسي, ضد أبناء الشعب الباكستاني في منطقة القبائل, التي تتعرض يوميا إلى عمليات من الجيش الباكستاني أيضا, وكذا لأن لهذا الجاري, تداعيات تتمثل في إنهاك المجتمع والدولة الباكستانية معا, والأخطر أنه يمثل إنهاءً لسيادة الدولة الباكستانية على الأرض والشعب.
هنا يتحول الضغط الهندي إلى ضغط أمريكي وصهيوني وبريطاني وفرنسي .. الخ, بما يجعل باكستان في مواجهة ريح عاتية على مستوى العلاقات الداخلية المضطربة أصلا بين الدولة .. والمجتمع.
هنا تصبح الصورة العامة لأوضاع باكستان وما يحيط بها, كاشفة عن تعرض باكستان لكل مهددات أمنها القومي خارجيا و داخليا, وفى حالة تشابك و تفاعل يمكن أن تخرج عن سيطرة الدولة الراهنة!
لكن هناك من رأى أن ما جرى – بغض النظر عن الجهة الفاعلة مباشرة – كان بمثابة ضربة خلفية لباكستان , تستهدف تشتيت عوامل قوتها على جبهتين – أفغانستان والهند – وتطوير الضغط الهندى عليها لإضعاف الدور الباكستاني في أفغانستان, وجذب الهند الصاعدة فى قوتها الاستراتيجية, نحو الضغط على باكستان, وللدخول فى تحالف مع الغرب لمكافحة الإرهاب, وأن ما جرى هو مؤامرة على باكستان لكسر ارادتها وربما انهاء وجودها, على غرار ما جرى من تحالف أمريكي مع إيران ضد العراق, أي أن ما نتابعه يجرى ضمن منظومة الهجوم الاستراتيجى على الأمة الاسلامية فى مكونها السني.
وهكذا وإزاء تصاعد الضغوط الهندية حد التهديد بعمل عسكرى شامل ضد باكستان وبعد التدخل الامريكى والغربي على خط الضغوط على باكستان لمزيد من التحرك نحو الصراع مع الجماعات والاتجاهات الاسلامية , بدا ان هذا التفسير هو الاقرب للصحة, لتصبح باكستان فى مواجهة ريح عاتية من كل الاتجاهات!
لكن الإشكالية الأعمق, أن هذا الضغط الخارجي, يأتي والبلاد فى حالة انقسامات واضطرابات داخيلة, يجرى فيها استخدام السلاح لأسباب تتعلق بذات الموضوعات المشتعلة الآن مع الأطراف الخارجية, وذلك هو واحد من مكامن الخطر "الاستراتيجى", التي تجعل البلاد تعيش ضمن متوالية هندسية من توليد وتفاعل التطورات, إذ كل تطور في مجال خارجى أو داخلى يمكن أن يتحول إلى تطورات متعددة متتالية وفى اتجاهات متنوعة تولد بدورها أحداثا أخرى, لا يمكن لأحد ضبط تفاعلاتها!
ولقد شهدنا كيف جرت عملية تعبئة باكستانية داخلية لموجهة الخطر الهندى – بعد التهديدات المتكاثرة بشن عدوان هندى ضد باكستان – وهو ما نتج عنه صدور إعلانات من جماعات إسلامية بالوقوف مع الدولة إذا واجهت الهند, فكان أن تدخلت الولايات المتحدة بالاعتراض والرفض لتقارب بين الحكم والجماعات الاسلامية, التى تعتبرها الولايات المتحدة جماعات "إرهابية".