القرار الذي اتخذته بيونج يانج بمواصلة تعزيز قوات الردع النووي ومقاطعة المحادثات السداسية حول برنامجها النووي كرد سريع وقاسٍ على بيان مجلس الأمن الدولي الذي يدين سياستها، يعني بأن كوريا الشمالية ملكت إرادتها واستجمعت قواتها وغدت ماضية في سبيلها نحو إقامة علاقات مع الدول الغربية فيما بعد على قاعدة المساواة والاحترام المتبادل ليس إلا.
وبيان مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر فيه إطلاق صاروخ بعيد المدى خلال الأسبوع الماضي خرقا للقرارات الدولية، وحث بيونج يانج على استئناف المحادثات ومواصلة تفكيك برنامجها النووي، وهدد بفرض عقوبات إضافية في حال مواصلتها "خرق القرارات الأممية"، يعد وسيلة غير ناجعة في مساعي لجم طموح البلد الشيوعي المتمرد على "المجتمع الدولي"، إذ سبق أن فرضت بيونج يانج أجندتها على الجميع في أعقاب مقايضتها السابقة مع الدول الغربية فيما عرف بالمحادثات السداسية التي تضم الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية على تجميد برنامجها النووي في مقابل حوافز اقتصادية؛ فكل ذلك قد وجد سبيله إلى التراجع في ظل تشجيع من دول آسيوية لا ترغب في تمدد النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة لأكثر مما ينبغي.
لاشك أن الولايات المتحدة الأمريكية قد منيت بنكسة كبيرة مع إعلان كوريا الشمالية استئناف برنامجها النووي في أعقاب تجربة صاروخية بعيدة المدى تقول التقارير الغربية إنها تجارب عسكرية لا صلة لها بما أعلنته بيونج يانج عن حمل صاروخها قمراً للاتصالات؛ فالولايات المتحدة تواجه الآن استحقاقاً يدعوها لأن تعيد نظرها في سياستها الخارجية التي بدت منكفئة على الداخل منذ أن تولى الرئيس الأمريكي باراك أوباما سدة الحكم في واشنطن قبل شهور؛ فأحد أركان ما كان يُسمى بـ"محور الشر" قد بات الآن متمرداً على نحو لم تفلح كل مساعي الأمريكيين في قمعه، والحاصل أنه قد غدا نمراً أسيويا جديداً، لكنه نمر عسكري أضحى عصياً على الترويض.
لاعتباره أحد أركان المحور الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش باعتباره مثلث شر يهدد "السلام العالمي"؛ فقد كان الجميع يتوقع مجابهة جريئة للولايات المتحدة في شرق آسيا، لكن ذلك لم يحدث برغم إطاحة نظام الرئيس صدام حسين.
والآن صارت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها ووزيرة خارجيته تستجدي طهران لتوافق على وضع برنامجها النووي الإيراني في حيز المجال السلمي، ولم تزل إيران التي كانت ثالثة أركان محور الشر في عقيدة البنتاجون المعلنة قبل 6 أعوام، تتحدى وتصر على مواصلة برنامجها النووي الذي يبدو للجميع أنه سينحى باتجاه عسكري عن قريب، وتواصل عبر الضغط الدولي الهزيل على بيونج يانج جهودها من أجل إيقاف برنامج كوريا الشمالية النووي..
لقد نجحت طهران وبيونج يانج على الخروج من عنق زجاجة "محور الشر"، أو لم تكن الولايات المتحدة متحمسة بالدرجة نفسها لكسر عظام "الرفيق كيم جونغ إيل" و"آية الله خامنئي".. سيان، المهم أخيراً أن لم يكن ثمة بلد هو لـ"الشر" جامع كما كان العراق بالنسبة لأمريكا، وهذا هو بيت القصيد بغض النظر عن مبررات الاستراتيجيا والسياسة والاقتصاد..