نحتاج دوما إلى النصيحة الصالحة التي تحث على التقوى والاستقامة , وتقوم الطريق وتزيل الغشاوة وتبصر بالأخطاء وتوجه نحو الأمام , ويالها من نصيحة تلك التي تأتينا من قوم صالحين قد عملوا فأجادوا وأخلصوا فأظهر الله ما قدموا وبارك في خطاهم وصاروا للأمة قدوة وهداة , قال الله تعالى " ولقد وصينا الذي أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " , وقال سبحانه " ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون " .
" أوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة في الآخرة ، والزهد في الدنيا ولا تأسفا على شئ فإنكما عنها راحلان افعلا الخير وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا .
ثم دعا محمدا ولده وقال له : أما سمعت ماأوصيت به أخويك . قال بلى . قال فإني أوصيك به ، ثم قال : يابني أوصيكم بتقوي الله في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر والعدل في الصديق والعدو والعمل في النشاط والفتور والرضا عن الله في الشرة والرخاء . بابني ما شر بعده الجنة بشر ، ولا خير بعد النار بخير . كل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار فما فيه , يابني من أبصر عيب نفسه أشتغل عن عيب غيره ومن رضي بما قسم الله له لم يحزن عما فاته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن حفر لأخيه بئرا وقيع فيها , ومن هتك حجاب أخيه هتك عورات بنيه ، ومن نسي خطيئتة استعظم خطيئة غيره، ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ، ومن تكبر على الناس ذل ومن خالط الأنذال احتقر ومن دخل مداخل السوء اتهم نفسه ومن جالس العلماء وقر ، ومن مزح استخف به ، ومن أكثر من شئ عرف به ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه . وقل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، من قل ورعه مات قبله ، ون مات قبله دخل النار , يا بني الأدب ميزان الرجال ، وحسن الخلق خير قرين ، يا بني العافية عشرة أجزاء تسعه منها في الصمت إلا عن ذكر الله وواحدة في ترك مجالس السفهاء , يا بني لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا شفيع انجح من التوبة ، ولالباس أجمل من العافية ، يا بني الحرص مفتاح التعب ومطية النصب " ( المستطرف )
· وايضا أن سعيد ابن المسيب رأى رجلا يصلى بعد طلوع الفجر أكثر من الركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه . فقال يا أبا محمد يعذبني الله علي الصلاة ؟ فقال لا … ولكن مع خلاف السنة " (عبد الرزاق – الصلاة )
· وقال رجل للإمام مالك بن أنس : يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ فقال مالك من ذي الحليفة من حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر . قال : لاتفعل فإني أخشى عليك الفتنه ، فقال : وأي فتنه في هذه ؟ إنما أميال أزيدها ؟! قال وأي فتنه أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ يقول الله تعالى " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذاب أليم " ( ذكره البغدادي في الفقيه والمتفقة (1/148) .
· وقال الشافعي رحمه الله " وأوصى بتقوى الله عز وجل ، ولزوم السنة والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وترك البدع والأهواء واجتنابها ….( وصية الشافعي )
أيسر الوصايا :
· قال بن حزم :" ولا تأس إذا ذممت بما ليس فيك ، بل افرح فإنه فضلك ينبه الناس عليه ، ولكن إفرح إذاً أن فيك ما تستحق به المدحسواء مدٌحت به أو لم تمدح ، واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم وسواء ذممت به أو لم تذم .
وقال أيضا : " ولا تنصح على شرط القبول ، ولا تشفع على شرط الإجابة ولا تهب على شرط الإنابة لكني على سبيل الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف .
وقال أيضا : النصيحة مرتان ( فالأولى : غرض ودينه .. والثانية تنبه وذكر .. وأما الثالثة فتوبيخ وتقريع ، وليس وراء ذلك إلا التركل واللطامه وربما أشد من ذل البطئ والأذى اللهم إلا في معلى الديانه فواجب علي المرء تزداد النصح فيها رضى المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذل أو لم يتأذ .
وإذا نصحت فانصح سرا لا جهرا وبتعريض لا تصريح إلا أن يفهم المنصوح تعريضك فلا بد ن التصريح ولا تنصح على شرط القبول منك .
فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح ، وطلب طاعة وملك لا مؤد حق ديانه وأفوه ، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة ولكن حكم الأمير مع رعيته والسير مع عبيده .
ويقول أيضا " الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظه أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب . فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ وتعدى طريقه صلى الله عليه وسلم وصارفي أكثر الأمر مغريا الموعظ الجافي فيكون في وعظه سيئا لا محسنا " .
ومن وعظ ببشر وتبسم ولين ـ وكأنه مستنير برأي ، مخبر عن خير الموعظ بما يستقبح من الموعوظ فذلك أبلغ وأنجح في الموعظة فإن لم يتقبل : فلينتقل إلى الوعظ بالتحشيم وفي الخلاء ، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ ، فهذا أدب الله تعالى في أمره بالقول اللين .. وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه الموعظة لكن كان يقول " ما بال أقوام يفعلون كذا .. وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق ، وأمر بالتيسير ونهي عن التنفير .وكان يتخول بالموعظة خوف الملل .