أثارت الأنباء التي ترددت عن أن (الزعيم الإسلامي الباشتوني) قلب الدين حكمتيار قد بدأ الترويج عبر مقربين منه لخطة "سلام" في أفغانستان بهدف إنهاء حالة الحرب في البلاد بعد سبع سنوات من التناحر بين قوات المقاومة الأفغانية بزعامة حركة طالبان، وقوات الاحتلال المتعددة الجنسيات، وتقضي الخطة بالبدء في مفاوضات مباشرة مع القوى الدولية وتهدئةَ العمليات العسكرية. وسحب الجنود الأجانب إلى قواعد عسكرية، ثم انسحاباً كاملاً من أفغانستان خلال فترة محددة، مع إطلاق كافة الأسرى، وتشكيل حكومة مؤقتة مقبولة للأفغانيين، والتمهيد لانتخابات عامة.
قلب الدين حكمتيار الشخصية المثيرة للجدل دوماً، الذي يغير مواقفه بسرعة، ويحتفظ مع ذلك بعداء للاحتلال مهما كانت جنسيته لأراضيه، يثير النقع من جديد اليوم في وجه أعدائه وحلفائه على حد سواء.
مسألة المفاوضات الجديدة ليست غريبة على شخصية راديكالية كحكمتيار، دخلت حقل العمل السياسي مبكراً، حين كان طالباً بكلية الهندسة بكابول قبل أربعين عاماً، حيث التحق بالعمل الطلابي الإسلامي قبل أن تتبدد كثير من المظاهر الإسلامية في بلاده على وقع أصوات الطائرات والدبابات السوفيتية قبل ثلاثين عاماً، حينها كان الثائر حكمتيار دائماً ذا مواقف حدية لا تعرف المواربة أو أنصاف الحلول، بيد أنه بعد عقود قد صار أكثر واقعياً برغم ثوريته، ولم يتخل مع ذلك مع راديكاليته التي سمحت له يوماً بأن يحالف الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود، ثم يعود فيقاتله، ويناصر برهان الدين رباني رئيس الدولة ويعاديه، ويحرر العاصمة الأفغانية كابول ثم يعمد إلى قصفها ـ هو رئيس وزراء دولتها ـ بالمدافع الثقيلة في أعنف تدمير تشهده المدينة في أعقاب حرب تحرير لم تنل من كابول ما نالته مدافع حكمتيار المرابطة على تخوم المدينة الشرقية والجنوبية، وتسمح له بمقاتلة حزب الوحدة الشيعي الموالي لطهران، والتحالف معه، وإدانة طهران، ثم اللجوء إليها لأربع سنوات، وفي المشهد الأخير قتال طالبان حتى التراجع والانسحاب أمامها، ثم العودة إلى التحالف معها..
وفي قلب هذا المشهد، يكمن التنسيق مع طالبان ثم التغريد ـ إن صحت الأنباء ـ خارج سربها والقاعدة..
وفي كل مرة كان التبرير جاهزاً لكل ما فعل، وبعضه ربما مقبول كقتاله ضد عبد الرشيد دوستم الزعيم الأوزبكي (مجرم الحرب المعروف)، وحزب الوحدة الموالي لطهران، وقتاله ضد الأمريكان، وإن لم يبد ذلك قوياً كما كان في أوج قوته وتسلحه.
أتراها الواقعية إذن هي من تحرك الثائر حكمتيار بعد أن غزا الشيب رأسه، وعركته الحوادث المتواليات؟! أتراه قد فهم أن لا طالبان يمكنها تحقيق نصراً تاماً على الاحتلال، ولا الاحتلال الغربي بقادر على أن يثبت أركان الحكم للحليف قرضاي؛ فباتت قناعاته تتبلور في فتح ثغرة التفاوض لينسحب من خلالها الغزاة مع بعض الامتيازات؟!
أم تراه قد عاد حليفاً إلى الاستخبارات الباكستانية التي رأته حرياً بأن يقلب الطاولة في وجه من استباحوا السيادة الباكستانية بطائراتهم المستهترة؟! أم تراها الصفقة الكبرى؟!
ربما، لكن حكمتيار بأي سبيل سيظل رقماً لا يمكن تجاوزه، ولو أفرغت قواته في باكستان من محتواها العسكري، وغدا مناضلاً صوتياً أكثر منه صانعاً للخرائط العسكرية..