بلغني أن قارئاً مشهوراً من أئمة الحرم المدني سابقاً يصلي هذه الأيام في الرياض، عقدت العزم على أن أصلي صلاة التراويح معه، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. تأخرت في الخروج من المنزل، غير أني أطلقت عنان دابتي! ومضيت في الطريق…
المساجد قد رفعت الأذان بالعشاء، قلت في نفسي: لا يبدو لي أني سوف أدرك العشاء هناك.. فتحت النافذة قريباً من أحد المساجد في الطريق أتنصت .. كأنهم يقيمون.. واصلت الطريق وفي العقل تعتمل موازنة، هل أتوقف لأدرك العشاء في أي مسجد أم أمضي في طريقي؟ وبينما أنا كذلك إذا بمسجد ضخم، وقد امتلأت المواقف التي حوله بالسيارات، فقلت: يا رجل هذه بغيتك، إمام مقصود، وتدرك العشاء!
ثم بدت لي فكرة استحسنتها، يأتيك نبؤها.. أكملت الصلاة مع صاحبنا وقد استغرقت صلاة التراويح بالإضافة إلى الدرس الذي تخللها قبل الوتر نحو نصف الساعة أو أقل قليلاً، والحق أن قراءة الإمام في الدرس كانت مخلة، إذ لم أميز كثيراً من أحرفه وهو يقرأ توجيهات من كتاب..
خرجت من المسجد عجلاً وفي النفس بعض النقمة على الإمام، لكني رأيت قريباً من الباب أحد العمال –الذين أعرفهم وفيه فضل- يعد نفسه للخروج.. ركبت سيارتي وقد خفَّت نقمتي على ذلك الإمام، حتى قلت لنفسي والسيارة تنطلق بي: تعرف أن ذاك العامل يبدأ دوامه في التاسعة مساء، وكثير من الناس غيره مشغول أو فيه عجز وربما تلبس بتقصير، ويريد أن يحصل شيئاً من الأجر، فلعل مثل هذا المسجد فيه مندوحة لهؤلاء، فربما كان خيراً لهم من التأخر أو قطع صلاة مع إمام يستطيلون صلاته أن يصلوا مع مثل هذا الإمام الذي يخفف العشاء والتراويح حتى ينصرف فيخرجوا وقد كتب لهم قيام ليلة… وفضل ربك واسع يثيب على القليل بالخير الجزيل.