كان أحد أكثر الفرحين بالإفراج عن عميد أسرى لبنان في سجون الاحتلال سمير القنطار، رفيق دربه وشريكه في عملية نهاريا البحرية التي نفذتها مجموعة من جبهة التحرير الفلسطينية بزعامة أبو العباس، المقاتل أحمد الأبرص، والذي كان على اتصال دائم بالقنطار عبر الصليب الأحمر.
لم يكن أحمد الأبرص على القائمة التي طلبها "حزب الله" للمبادلة مع جثتي الأسيرين لديه؛ ولم يعد على الحزب من مهمة سوى تحرير سمير القنطار الدرزي وأربعة من جنود الحزب الشيعي فيما يخص الأسرى اللبنانيين، بعد أن أعفت الجبهة الحزب من حرج وجوب الإفراج عن مناضلين فلسطينيين بمبادلتها الأبرص وآخرين ضمن صفقة جرت في العام 1985 بأسير صهيوني.
سمير القنطار إذن خرج من السجون الصهيونية بعد أن قضى نحو ثلاثين عاماً في كثير منها ليختزل بذلك حكماً صدر ضده 542 عاماً، وهو حكم صدر في العام 1980 بسبب قيادته لمجموعة عملية نهاريا البحرية، التي يحكي تفاصيلها زميله أحمد الأبرص فيقول: "هدف العلمية كان خطف أسرى وإخلاء سبيل رفاق وإخوة لنا داخل السجون الصهيونية، لأن العدو الصهيوني لا يفهم بالمفاوضات، لا يفهم إلا بالقوة. انطلقنا من رأس العين من صور. كنا أربعة رفاق: سمير القنطار، ماجد أصلان، مهنا المؤيد وأحمد الأبرص. وكان في وداعنا عند الانطلاق الرفيق الأمين العام الراحل أبو العباس والرفيق سعيد اليوسف ومجموعة من الرفاق. وصلنا إلى رأس الناقورة ونحن على متن زورق وكان هناك ثلاثة زوارق صهيونية تمسح المنطقة براداراتها، فأطفأنا محرك الزورق وبدأنا بالتجذيف لمسافة فقطعنا منطقة تغطية الرادار، ومن ثم توجهنا الى منتجع نهاريا. وكنا متجهين الى بيت دان هيرام وجلبناه معنا من المنزل، وأثناء عودتنا، دخلنا نادي الضباط وبدأ الاشتباك مع الصهاينة، فاستشهد الرفيق ماجد أصلان. وتابعنا سيرنا الى الشاطئ. وهناك استشهد الرفيق مهنا المؤيد وأصيب الرفيق سمير القنطار واصبت أنا بعدة طلقات، وبقي الاشتباك حتى السابعة والربع صباحاً، باعتراف العدو الصهيوني. وكانت مدة الاشتباك أكثر من سبع ساعات. وتم اعتقالنا ونحن غائبون عن الوعي، ونقلنا الى مستشفى نهاريا، ومنه الى منطقة الصرفند، بعد سنة حوكمنا..".
لإضفاء مسحة وطنية على أهداف ميليشيا "حزب الله"، كان القنطار الدرزي الديانة أحد أبرز من تحدث عنهم زعيم الحزب حسن نصر الله كأسير حرب لبناني متعهدا بتحريره ـ بعد مصطفى الديراني وعبد الكريم عبيد القياديين الشيعيين البارزين الذين اختطفا في العام 94 وأعيدا بعد ذلك في صفقة مع الكيان الصهيوني ـ، وقد كان لنصر الله ما أراد بعد وعد قطعه على نفسه بالإفراج عن القنطار بما كلفه وكلف لبنان في العام 2006 آلاف القتلى والجرحى وعشرات الآلاف من المشردين..
وصل القنطار إلى لبنان بعد أن دفع لبنان أكثر من 1400 قتيلاً ثمناً لتحريره، في صفقة الرفات الأبرز مع الكيان الصهيوني، حيث رشحت أنباء عن أن القنطار سيرد الجميل لنصر الله بمناهضة جنبلاط في الهيمنة على مقاعد الدروز في الانتخابات النيابية القادمة، إذ تتحدث الأنباء عن أن سمير القنطار سيمنح مقعداً في البرلمان اللبناني بمساعدة من "حزب الله" لتقليل مقاعد جنبلاط في البرلمان.
وفي عرف اللبنانيين والفلسطينيين يعد القنطار بطلاً لقتله جنوداً "إسرائيليين"، وفي تقدير الصهاينة ـ بالطبع ـ لا يعدو القنطار أن يكون مخرباً وإرهابياً، وينسبون له عملاً إجرامياً ينفي مراراً مسؤوليته عنه وهو تهشيم جمجمة طفلة "إسرائيلية" (4 سنوات) بعقب بندقيته ـ وفقاً للقضاء الصهيوني ـ بعد أن قتل والدها الصهيوني أثناء عملية نهاريا، وبالتالي يعتبرونه قاتل أطفال.
ومهما يكن من أمر؛ فإن القنطار الذي قضى كل هذه السنين في السجون "الإسرائيلية" ثم الذي أكمل دراسته في جامعة تل أبيب الصهيونية وتزوج مؤخراً من فلسطينية تعد حلقة وصل ما بين حركة فتح و"حزب الله" بحسب التقارير الصحفية الصادرة قبل أكثر من شهرين يعد مناضلاً قومياً ككثير ممن ساندوا الحركة التحررية الفلسطينية إبان السبعينات عندما كان المد اليساري حينها يستوعب مناضلين لا يستندون إلى الدين في حربهم ضد "إسرائيل"، وقد كان كارلوس ـ الإرهابي أو المناضل الشهير ـ منهم، وكان مناضلو الجيش الأحمر الياباني كذلك منهم، وكان منهم جيفارا الذي ساند الثوار في غرب إفريقيا وقاتل في صفوفهم وراسل الفلسطينيين مؤيداً لهم، وقد دفع كثير من هؤلاء دماءهم وسني عمرهم، لأهداف نضالية قد تتقاطع مع أهداف المسلمين في حربهم ضد "إسرائيل"، لكنها في النهاية تعبر عن ذاتها ولا تنسحب على مقاومات المسلمين وجهادهم، فهؤلاء مقاتلون لهم أجندتهم ودينهم وعقائدهم الخاصة، ولن يأخذ بريق النضال عين حصيف عن جادة الدين وآصرته العليا.