مفهوم الجمعيات العلمية
لعبت الجمعيات العلمية دوراً بارزاً في تقدم العلوم وفي ربط العلم بالمجتمع والجمعيات العلمية مبنية على التطوع من خلال الجهود الأهلية تلك الجهود التي يقوم بها العلماء والباحثين والأكاديميين.
ويواجه تحديد مفهوم الجمعيات العلمية صعوبات بالغة نظراً لندرة الدراسات حول هذا الفرع من الجمعيات على المستويين العالمي والمحلي، كما أن الدراسات المتوفرة تتجاوز مرحلة تحديد المفهوم لتتعمق في أنشطة وإنجازات الجمعيات.
فعلى المستوى الدولي تعتبر الجمعيات العلمية في جميع الدول تعبيراً عن رغبة تطوعية صادقة من مجموعات المتعلمين والمثقفين في المساهمة في جمع ونشر المعلومات المفيدة في المجال الذي تعمل فيه بين أفراد المجتمع دون نظر إلى العائد المادي الناتج أو المنتظر لأفرادها .
وهي تسعى إلى إحداث النهضة العلمية للمجتمع والسعي للنهوض بالفرع العلمي الذي تعمل فيه وفي سبيل تحقيق ذلك تقوم الجمعيات العلمية بتشجيع القيام بالدراسات والبحوث العلمية وتدعيم الروابط وتبادل الأفكار والمعرفة بين المشتغلين بالعلوم في داخل البلاد وخارجها .
وهناك فرق بين الجمعيات العلمية المقصودة والجمعيات العلمية التي ينشئها الطلاب داخل الجامعات فالأخيرة عبارة عن هيئات يقيمها طلاب الكليات منفردة عن طريق الانتخاب وفق التعليمات الجامعية الخاصة بذلك لتنظيم النشاطات العلمية الطلابية إما بشكل منفرد أو بالاشتراك مع جمعيات علمية من كليات أخرى في الجامعة وفي المناسبات المختلفة كما تنظم اللقاءات بين الطلاب والعمداء في الكليات في حوار مفتوح حول القضايا التي تهم طلبة الكليات وتصدر مجلات حائط ومجلات أخرى علمية وثقافية متنوعة .
وبالتالي فإن تعريف الجمعيات العلمية المعنية يمكنه أن يأخذ الشكل التالي ” الجمعيات العلمية هي جمعيات أهلية تضم الجماعة المتخصصة في فرع من فروع المعرفة من أجل تطوير هذا الفرع وربطه بالمجتمع وفق مجموعة من الوسائل العلمية مما ينعكس على التقدم المعرفي للمجتمع “
أهداف الجمعيات العلمية :
هناك أهداف عامة للجمعيات وهناك أهداف خاصة بكل جمعية تختلف نسبياً باختلاف الحقل الذي تعمل فيه الجمعية لكنها تصاغ في ضوء الأهداف العامة للجمعيات والتي يمكن أن تأخذ الصورة التالية:
1- إرساء الدعامة الأساسية للنهضة العلمية في البلاد .
2- العمل على تشجيع الدراسات والبحوث في مختلف المجالات والتي ترتبط بالخطط التنموية للدول .
3- دعم الروابط والصلات بين المشتغلين في المجال العلمي أو التخصص العلمي الواحد في داخل البلاد وخارجها .
4- الإسهام في تأصيل القيم العلمية وبث الروح العلمية والتفكير العلمي لدى شباب العلماء من أجل تشكيل أجيال منهم يحملون رسالة العلم ويقفون على الحديث والمستحدث منه ومن تطبيقاته لخدمة المجتمع.
5- التصدي بحثياً لقضايا المجتمع ودراسة مشكلاته وإبداء الرأي والفكر العلمي لحلها .
6- الإسهام في تعريب العلم والمصطلحات العلمية إثراءً للمكتبة العلمية العربية.
7- الإسهام في إحياء التراث العلمي وجهود العلماء العرب .
8- نشر الثقافة العلمية وتبسيط العلم .
وسعياً لتحقيق هذه الأهداف تستخدم الجمعيات الوسائل الآتي :-
1- إقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات لمناقشة البحوث المبتكرة العلمية والتطبيقية والنتائج التي توصل إليها الأعضاء وكذلك مناقشة القضايا القومية ومشاكل المجتمع.
2- إصدار مجلات ونشرات علمية تعكس نشاطها وتضم بحوث أعضائها وإنجازاتهم وتتبادل مع نظيراتها محلياً ودولياً .
3- إنشاء مكتبات علمية عن طريق التبادل أو الاقتناء.
4- تنظيم لقاءات أو اجتماعات دورية لدراسة المصطلحات العلمية المستحدثة.
5- تنظيم دورات دراسة للتنشيط والتحديث العلمي للأعضاء .
6- إقامة لقاءات بين الجمعية وبعض الهيئات العلمية الأخرى بهدف خدمة العلم .
نبذة تاريخية عن نشاة الجمعيات العلمية
زامن تكوين الجمعيات العلمية في عصر التنوير بأوروبا إنشاء الجامعات التي كانت تخضع للنفوذ الكنسي ، وكان جوهر دراساتها اللاهوت وفلسفة أرسطو التي ارتضتها البابوية اساساً لعلوم الطبيعيات حيث تعتبر هذه الجمعيات صاحبة الأثر في إحداث نهضة علمية عارمة نظراً لما كانت تنتهجه من تفكير علمي عملي حر لايخضع لنفوذ الكنيسة وللنقلة الموضوعية التى غيرت بها من مفهوم العلم فى القرن السابع عشر الميلادى
وفى ضوء ذلك يظهر الفرق بين الجمعيات العلمية والجمعيات التعليمية فالأولى تسعى لنهضة العلوم أما الثانية فتأخذ النهج التلقينى ولعل أبرز مثال على تلك الجمعيات التعليمية جمعيات تنظيم الإحسان charity organization societies والتى كانت تقدم برامج تعليمية تحت رعاية المجمع الكنسى .
وتعتبر ايطاليا من أوائل دول اوروبا التى تكونت فيها الاكاديميات والجمعيات العلمية وفى 1662 انشئت الجمعية الملكية البريطانية أشهر الجمعيات العلمية على الصعيد العالمى وكان إنشاؤها على يد عدد من العلماء أمثال جون واليس وروبرت بويل وولكنز وغيرهم حين أحسوا بحاجاتهم الى جمعية علمية تناقش أمور العلم وقد بدأت بكلية للفلسفة ثم تطورت الى الجمعية الملكية المعروفة.
وفى فرنسا انشئت أكاديمية العلوم عام 1666 نتيجة التقاء عدد من رجال العلم من بينهم ديكارت وباسكال وبيرجاستون وكان من بين أعضائها فيما بعد لابلاس ويوفون ولافوازييه وقد سمح بعد ذلك بالعضوية لغير الفرنسيين من العلماء البارزين مثل اسحق نيوتن , وقد عصفت الثورة الفرنسية بالأكاديمية ورجالها وقطعت الجيلوتين رؤوس بعض علماءها.وفى سنة 1795 انشئ المجمع العلمى الفرنسى ليحل محل الاكاديمية وبعد ذلك بسنوات عام 1816 أعيد انشاء الاكاديمية الفرنسية للعلوم كشعبة من شعب مجمع فرنسا .
وانتشر انشاء الأكاديميات والجمعيات العلمية فى بلاد أوربية أخرى إبان القرنين الثامن والتاسع عشر على النحو التالي :
فى برلين بالمانيا عام 1700 وفى اسبانيا عام 1713 وفى النرويج عام 1760 حيث تم إنشاء الجمعية الملكية للعلوم ثم إنشاء اكاديمية العلوم فى اوسلو عام 1857 وفى السويد انشئت الاكاديمية السويدية للعلوم عام 1768 على نمط الاكاديمية الفرنسية ” وهى التى تمنح جائزة نوبل كل عام” ثم انشئت اكاديميات للعلوم فى الدانمرك عام 1742 وفى بلجيكا عام 1772 وفى النمسا عام 1847 كانت كل هذه الجمعيات والأكاديميات تعنى بالعلم بصفة عامة ولكن كان الجزء الأكبر من اهتمامها يتركز في العلوم الأساسية والتطبيقية كالفيزياء والكيمياء وعلوم الاحياء أو العلوم البيولوجية وقد أدى التزايد السريع فى حجم المعرفة العلمية وتنوعها وتشعبها الى الاتجاه نحو التخصص فى علم واحد من العلوم الاساسية وبعد ذلك اتجه البعض إلى نوع من التخصص الدقيق ومن ثم فقد شهد مطلع القرن التاسع عشر مولد الجمعيات العلمية المتخصصة فتكونت فى انجلترا
الجمعية الجيولوجية عام 1807 والجمعية الفلكية عام 1820 وفى المانيا الجمعية الكيميائية عام 1866 ثم تلا ذلك انشاء جمعيات تعنى بالتخصصات المشتركة أو العلوم البيئية مثل الميكروبيولوجيا والجيوفيزيقا والكيمياء الحيوية والفيزيقا الحيوية وغيرها .
وقد قامت هذه الجمعيات العريقة فى أوروبا بدور رائد فى نشر العلم وإثراء المعارف الإنسانية بنشر المقالات والبحوث فى مجالاتها والاسهام فى الكشوف العلمية وعقد لقاءات وندوات ومحاضرات أسهمت فى إنشاء مكتبات علمية قيمة لم تقتصر على مؤلفات أعضائها بل جمعت فيها كل ما اتيح لها من المراجع المتصلة بتخصصات أعضائها ونشاطهم والتى عادت بأكبر الفوائد على طلاب العلم والمشتغلين به كما أسهمت هذه الجمعيات فى تكوين طبقة من العلماء عرفت بإسهاماتها الكبيرة .
وقد انتقلت فكرة الجمعيات العلمية إلى المجتمعات العربية من خلال الحملات الاستعمارية والتي سعت من خلالها لدراسة المجتمعات المستعمرة دراسات شاملة تساعد في تحقيق أهداف المستعمر وأول تلك الجمعيات العلمية في الدول العربية هو المجمع العلمي المصري الذي أنشأه نابليون بونابرت بمصر العام 1798 ثم تلا ذلك إنشاء العديد من الجمعيات العلمية والتي تقلص دورها بجلاء الاستعمار وإن ظلت الفكرة تراود الباحثين العرب وسعوا إلى إنشاء العديد من الجمعيات العلمية المتخصصة في الفروع الدقيق من العلوم الأساسية إيمانا منهم بإمكانية تحقيقها لنوعاً من النهضة العلمية العربية إلا أنها واجهت وتواجه مجموعة من الصعوبات تحيل بينها وبين تحقيق الدور المنشود منها لإحداث النهضة تلك الصعوبات التي يمكن حصرها في الآتي
صعوبات تواجه الجمعيات العلمية في المجتمعات العربية :
1-الافتقار الى مقار مناسبة تمارس فيها نشاطها حيث تشكو الكثير من الجمعيات العلمية العربية من عدم وجود مقر ملائم لها تمارس فيه نشاطها أو تقيم فيه مكتبتها أو تنظم فيه لقاءاتها ومحاضراتها وندواتها .
2-مشكلات تمويلية حيث تواجه الجمعيات بصفة عام وبدرجات متفاوتة صعوبة في الحصول على الموارد المالية الكافية لتغطية نفقاتها المتزايدة نتيجة ارتفاع الأسعار والأجور بمعدل كبير وبخاصة في مجال الطباعة والنشر لمجلاتها وكذلك للقيام بنشاطها العلمي ولم يعد يكفي ما يستطيع الأعضاء دفعه من اشتراكات .
3-المشاركون في صنع السياسات داخل الجمعيات العلمية هم أعضاء مجالس الإدارات وفي أحيان كثيرة يتم تولي الأمر من قبل رئيس مجلس الإدارة اعتبارا لعنصر السن وأمين الصندوق فقط مما يفقد الجمعيات روح الفريق العلمي المنشود.
4- تتمركز نسبة كبير من الجمعيات العلمية العربية داخل مكاتب أعضاء هيئة التدريس دون وجود نشاط علمي ملحوظ.
5-نقص الإعلام عن الجمعيات العلمية والذي يعود في بعض الأحيان إلى نقص الاعتمادات المالية وفي أحيان أخرى إلى عدم توافر المهارات الاتصالية اللازمة للعملية الإعلامية.
6-لا يوجد تعاون بين القطاع الخاص والمتمثل في رجال الأعمال والجمعيات العلمية في حين أن لو تم هذا التعاون فمن المحتمل أن تتوافر منفعة مزدوجة فرجال الأعمال سيحصلون على الأبحاث والخبرات العلمية التي من شأنها تطوير تكنولوجيا أعمالهم ومن ثم ترتقي صناعتاهم ويزداد ثرائهم ، وفريق الباحثون ستتوافر له الإمكانات المادية التي يستطيع بواسطتها تحقيق عملية الإبداع العلمي.
وفي ذات الإطار فإننا نجد أن الجمعيات العلمية النشطة خاصة الطبية منها نجدها تنظم مؤتمراتها العلمية من خلال شركات الأدوية بصورة مبالغ فيها مادياً وهذا راجع إلى أن المؤتمر يكون بمثابة اجتماعاً تسويقياً لمنتجات شركة الأدوية ولو أنفقت تلك المبالغ المهدرة ترفيهيا على أغراض البحث العلمي للجمعية لغطى ذلك عدداً من الأبحاث العلمية التي تعين شركات الأدوية نفسها على تطوير منتجاتها الدوائية والأمر ينسحب بدوره على باقي التقنيات العلمية.
إن موضوع الجمعيات العلمية بحاجة إلى وقفة من قبل الحكومات العربية كي تتبنى فيها تلك البوتقات التي تنصهر فيها الخبرات العلمية لينعكس ذلك على النهضة العلمية والبحثية للأمة وتكون الجمعيات العلمية بمثابة مصنعاً يخرج جيلاً من شباب العلماء المسلمين.
لعبت الجمعيات العلمية دوراً بارزاً في تقدم العلوم وفي ربط العلم بالمجتمع والجمعيات العلمية مبنية على التطوع من خلال الجهود الأهلية تلك الجهود التي يقوم بها العلماء والباحثين والأكاديميين.
ويواجه تحديد مفهوم الجمعيات العلمية صعوبات بالغة نظراً لندرة الدراسات حول هذا الفرع من الجمعيات على المستويين العالمي والمحلي، كما أن الدراسات المتوفرة تتجاوز مرحلة تحديد المفهوم لتتعمق في أنشطة وإنجازات الجمعيات.
فعلى المستوى الدولي تعتبر الجمعيات العلمية في جميع الدول تعبيراً عن رغبة تطوعية صادقة من مجموعات المتعلمين والمثقفين في المساهمة في جمع ونشر المعلومات المفيدة في المجال الذي تعمل فيه بين أفراد المجتمع دون نظر إلى العائد المادي الناتج أو المنتظر لأفرادها .
وهي تسعى إلى إحداث النهضة العلمية للمجتمع والسعي للنهوض بالفرع العلمي الذي تعمل فيه وفي سبيل تحقيق ذلك تقوم الجمعيات العلمية بتشجيع القيام بالدراسات والبحوث العلمية وتدعيم الروابط وتبادل الأفكار والمعرفة بين المشتغلين بالعلوم في داخل البلاد وخارجها .
وهناك فرق بين الجمعيات العلمية المقصودة والجمعيات العلمية التي ينشئها الطلاب داخل الجامعات فالأخيرة عبارة عن هيئات يقيمها طلاب الكليات منفردة عن طريق الانتخاب وفق التعليمات الجامعية الخاصة بذلك لتنظيم النشاطات العلمية الطلابية إما بشكل منفرد أو بالاشتراك مع جمعيات علمية من كليات أخرى في الجامعة وفي المناسبات المختلفة كما تنظم اللقاءات بين الطلاب والعمداء في الكليات في حوار مفتوح حول القضايا التي تهم طلبة الكليات وتصدر مجلات حائط ومجلات أخرى علمية وثقافية متنوعة .
وبالتالي فإن تعريف الجمعيات العلمية المعنية يمكنه أن يأخذ الشكل التالي ” الجمعيات العلمية هي جمعيات أهلية تضم الجماعة المتخصصة في فرع من فروع المعرفة من أجل تطوير هذا الفرع وربطه بالمجتمع وفق مجموعة من الوسائل العلمية مما ينعكس على التقدم المعرفي للمجتمع “
أهداف الجمعيات العلمية :
هناك أهداف عامة للجمعيات وهناك أهداف خاصة بكل جمعية تختلف نسبياً باختلاف الحقل الذي تعمل فيه الجمعية لكنها تصاغ في ضوء الأهداف العامة للجمعيات والتي يمكن أن تأخذ الصورة التالية:
1- إرساء الدعامة الأساسية للنهضة العلمية في البلاد .
2- العمل على تشجيع الدراسات والبحوث في مختلف المجالات والتي ترتبط بالخطط التنموية للدول .
3- دعم الروابط والصلات بين المشتغلين في المجال العلمي أو التخصص العلمي الواحد في داخل البلاد وخارجها .
4- الإسهام في تأصيل القيم العلمية وبث الروح العلمية والتفكير العلمي لدى شباب العلماء من أجل تشكيل أجيال منهم يحملون رسالة العلم ويقفون على الحديث والمستحدث منه ومن تطبيقاته لخدمة المجتمع.
5- التصدي بحثياً لقضايا المجتمع ودراسة مشكلاته وإبداء الرأي والفكر العلمي لحلها .
6- الإسهام في تعريب العلم والمصطلحات العلمية إثراءً للمكتبة العلمية العربية.
7- الإسهام في إحياء التراث العلمي وجهود العلماء العرب .
8- نشر الثقافة العلمية وتبسيط العلم .
وسعياً لتحقيق هذه الأهداف تستخدم الجمعيات الوسائل الآتي :-
1- إقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات لمناقشة البحوث المبتكرة العلمية والتطبيقية والنتائج التي توصل إليها الأعضاء وكذلك مناقشة القضايا القومية ومشاكل المجتمع.
2- إصدار مجلات ونشرات علمية تعكس نشاطها وتضم بحوث أعضائها وإنجازاتهم وتتبادل مع نظيراتها محلياً ودولياً .
3- إنشاء مكتبات علمية عن طريق التبادل أو الاقتناء.
4- تنظيم لقاءات أو اجتماعات دورية لدراسة المصطلحات العلمية المستحدثة.
5- تنظيم دورات دراسة للتنشيط والتحديث العلمي للأعضاء .
6- إقامة لقاءات بين الجمعية وبعض الهيئات العلمية الأخرى بهدف خدمة العلم .
نبذة تاريخية عن نشاة الجمعيات العلمية
زامن تكوين الجمعيات العلمية في عصر التنوير بأوروبا إنشاء الجامعات التي كانت تخضع للنفوذ الكنسي ، وكان جوهر دراساتها اللاهوت وفلسفة أرسطو التي ارتضتها البابوية اساساً لعلوم الطبيعيات حيث تعتبر هذه الجمعيات صاحبة الأثر في إحداث نهضة علمية عارمة نظراً لما كانت تنتهجه من تفكير علمي عملي حر لايخضع لنفوذ الكنيسة وللنقلة الموضوعية التى غيرت بها من مفهوم العلم فى القرن السابع عشر الميلادى
وفى ضوء ذلك يظهر الفرق بين الجمعيات العلمية والجمعيات التعليمية فالأولى تسعى لنهضة العلوم أما الثانية فتأخذ النهج التلقينى ولعل أبرز مثال على تلك الجمعيات التعليمية جمعيات تنظيم الإحسان charity organization societies والتى كانت تقدم برامج تعليمية تحت رعاية المجمع الكنسى .
وتعتبر ايطاليا من أوائل دول اوروبا التى تكونت فيها الاكاديميات والجمعيات العلمية وفى 1662 انشئت الجمعية الملكية البريطانية أشهر الجمعيات العلمية على الصعيد العالمى وكان إنشاؤها على يد عدد من العلماء أمثال جون واليس وروبرت بويل وولكنز وغيرهم حين أحسوا بحاجاتهم الى جمعية علمية تناقش أمور العلم وقد بدأت بكلية للفلسفة ثم تطورت الى الجمعية الملكية المعروفة.
وفى فرنسا انشئت أكاديمية العلوم عام 1666 نتيجة التقاء عدد من رجال العلم من بينهم ديكارت وباسكال وبيرجاستون وكان من بين أعضائها فيما بعد لابلاس ويوفون ولافوازييه وقد سمح بعد ذلك بالعضوية لغير الفرنسيين من العلماء البارزين مثل اسحق نيوتن , وقد عصفت الثورة الفرنسية بالأكاديمية ورجالها وقطعت الجيلوتين رؤوس بعض علماءها.وفى سنة 1795 انشئ المجمع العلمى الفرنسى ليحل محل الاكاديمية وبعد ذلك بسنوات عام 1816 أعيد انشاء الاكاديمية الفرنسية للعلوم كشعبة من شعب مجمع فرنسا .
وانتشر انشاء الأكاديميات والجمعيات العلمية فى بلاد أوربية أخرى إبان القرنين الثامن والتاسع عشر على النحو التالي :
فى برلين بالمانيا عام 1700 وفى اسبانيا عام 1713 وفى النرويج عام 1760 حيث تم إنشاء الجمعية الملكية للعلوم ثم إنشاء اكاديمية العلوم فى اوسلو عام 1857 وفى السويد انشئت الاكاديمية السويدية للعلوم عام 1768 على نمط الاكاديمية الفرنسية ” وهى التى تمنح جائزة نوبل كل عام” ثم انشئت اكاديميات للعلوم فى الدانمرك عام 1742 وفى بلجيكا عام 1772 وفى النمسا عام 1847 كانت كل هذه الجمعيات والأكاديميات تعنى بالعلم بصفة عامة ولكن كان الجزء الأكبر من اهتمامها يتركز في العلوم الأساسية والتطبيقية كالفيزياء والكيمياء وعلوم الاحياء أو العلوم البيولوجية وقد أدى التزايد السريع فى حجم المعرفة العلمية وتنوعها وتشعبها الى الاتجاه نحو التخصص فى علم واحد من العلوم الاساسية وبعد ذلك اتجه البعض إلى نوع من التخصص الدقيق ومن ثم فقد شهد مطلع القرن التاسع عشر مولد الجمعيات العلمية المتخصصة فتكونت فى انجلترا
الجمعية الجيولوجية عام 1807 والجمعية الفلكية عام 1820 وفى المانيا الجمعية الكيميائية عام 1866 ثم تلا ذلك انشاء جمعيات تعنى بالتخصصات المشتركة أو العلوم البيئية مثل الميكروبيولوجيا والجيوفيزيقا والكيمياء الحيوية والفيزيقا الحيوية وغيرها .
وقد قامت هذه الجمعيات العريقة فى أوروبا بدور رائد فى نشر العلم وإثراء المعارف الإنسانية بنشر المقالات والبحوث فى مجالاتها والاسهام فى الكشوف العلمية وعقد لقاءات وندوات ومحاضرات أسهمت فى إنشاء مكتبات علمية قيمة لم تقتصر على مؤلفات أعضائها بل جمعت فيها كل ما اتيح لها من المراجع المتصلة بتخصصات أعضائها ونشاطهم والتى عادت بأكبر الفوائد على طلاب العلم والمشتغلين به كما أسهمت هذه الجمعيات فى تكوين طبقة من العلماء عرفت بإسهاماتها الكبيرة .
وقد انتقلت فكرة الجمعيات العلمية إلى المجتمعات العربية من خلال الحملات الاستعمارية والتي سعت من خلالها لدراسة المجتمعات المستعمرة دراسات شاملة تساعد في تحقيق أهداف المستعمر وأول تلك الجمعيات العلمية في الدول العربية هو المجمع العلمي المصري الذي أنشأه نابليون بونابرت بمصر العام 1798 ثم تلا ذلك إنشاء العديد من الجمعيات العلمية والتي تقلص دورها بجلاء الاستعمار وإن ظلت الفكرة تراود الباحثين العرب وسعوا إلى إنشاء العديد من الجمعيات العلمية المتخصصة في الفروع الدقيق من العلوم الأساسية إيمانا منهم بإمكانية تحقيقها لنوعاً من النهضة العلمية العربية إلا أنها واجهت وتواجه مجموعة من الصعوبات تحيل بينها وبين تحقيق الدور المنشود منها لإحداث النهضة تلك الصعوبات التي يمكن حصرها في الآتي
صعوبات تواجه الجمعيات العلمية في المجتمعات العربية :
1-الافتقار الى مقار مناسبة تمارس فيها نشاطها حيث تشكو الكثير من الجمعيات العلمية العربية من عدم وجود مقر ملائم لها تمارس فيه نشاطها أو تقيم فيه مكتبتها أو تنظم فيه لقاءاتها ومحاضراتها وندواتها .
2-مشكلات تمويلية حيث تواجه الجمعيات بصفة عام وبدرجات متفاوتة صعوبة في الحصول على الموارد المالية الكافية لتغطية نفقاتها المتزايدة نتيجة ارتفاع الأسعار والأجور بمعدل كبير وبخاصة في مجال الطباعة والنشر لمجلاتها وكذلك للقيام بنشاطها العلمي ولم يعد يكفي ما يستطيع الأعضاء دفعه من اشتراكات .
3-المشاركون في صنع السياسات داخل الجمعيات العلمية هم أعضاء مجالس الإدارات وفي أحيان كثيرة يتم تولي الأمر من قبل رئيس مجلس الإدارة اعتبارا لعنصر السن وأمين الصندوق فقط مما يفقد الجمعيات روح الفريق العلمي المنشود.
4- تتمركز نسبة كبير من الجمعيات العلمية العربية داخل مكاتب أعضاء هيئة التدريس دون وجود نشاط علمي ملحوظ.
5-نقص الإعلام عن الجمعيات العلمية والذي يعود في بعض الأحيان إلى نقص الاعتمادات المالية وفي أحيان أخرى إلى عدم توافر المهارات الاتصالية اللازمة للعملية الإعلامية.
6-لا يوجد تعاون بين القطاع الخاص والمتمثل في رجال الأعمال والجمعيات العلمية في حين أن لو تم هذا التعاون فمن المحتمل أن تتوافر منفعة مزدوجة فرجال الأعمال سيحصلون على الأبحاث والخبرات العلمية التي من شأنها تطوير تكنولوجيا أعمالهم ومن ثم ترتقي صناعتاهم ويزداد ثرائهم ، وفريق الباحثون ستتوافر له الإمكانات المادية التي يستطيع بواسطتها تحقيق عملية الإبداع العلمي.
وفي ذات الإطار فإننا نجد أن الجمعيات العلمية النشطة خاصة الطبية منها نجدها تنظم مؤتمراتها العلمية من خلال شركات الأدوية بصورة مبالغ فيها مادياً وهذا راجع إلى أن المؤتمر يكون بمثابة اجتماعاً تسويقياً لمنتجات شركة الأدوية ولو أنفقت تلك المبالغ المهدرة ترفيهيا على أغراض البحث العلمي للجمعية لغطى ذلك عدداً من الأبحاث العلمية التي تعين شركات الأدوية نفسها على تطوير منتجاتها الدوائية والأمر ينسحب بدوره على باقي التقنيات العلمية.
إن موضوع الجمعيات العلمية بحاجة إلى وقفة من قبل الحكومات العربية كي تتبنى فيها تلك البوتقات التي تنصهر فيها الخبرات العلمية لينعكس ذلك على النهضة العلمية والبحثية للأمة وتكون الجمعيات العلمية بمثابة مصنعاً يخرج جيلاً من شباب العلماء المسلمين.