تجربه واقعية نسوقها لكل قارئ عن شاب يعيش في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية – أبى ذكر اسمه ووافق فقط أن نذكر قصته – ابتلاه الله وهو في ريعان شبابه بمرض عضال في شرايين القلب , مرت به أزمات قلبية كان في حينها لا يستطيع أن يتنفس أو يتحدث أو يتحرك , ظن أن الموت قد حان موعده وأنه يطرق بابه , عاد إلى ربه وندم على تقصيره فيما مضى من أيام أكثر فيها الغفلة عن يوم الحساب , وعاهد ربه لئن نجاه الله _سبحانه_ ليكونن عونا لكل مريض .
استلزم مرضه إجراء عملية قلب مفتوح على أثرها دخل غرفة العمليات مصاحبا باحتمالات وتقديرات طبية أقرب للموت منها إلى النجاة , لكنها رحمة الله التي شاءت أن يخرج هذا الشاب من تلك العملية ناجيا من ذلك المرض الشديد . عندها وقف الشاب مع نفسه ليتأملها وينظر في حالها , ها هو الموت قد أطل عليه وكان قاب قوسين أو أدنى من القبر والحساب وسأل نفسه ماذا أعددت لهذا اليوم ؟ وهل سأفي بعهدي مع ربي بعد تماثل الشفاء ؟ هل سأساعد كل مريض ؟
قرر هذا الشاب أن يعمل عملاً ايجابياً في ذات الطريق الذي ابتلي به ألا وهو مساعدة المبتلى بمرض مزمن ويحتاج إلى عملية جراحية كبرى ..لكن كيف كانت المساعدة ؟
أخذت المساعدة الفردية من هذا الشاب ثلاث مراحل هي ..
* المرحلة الأولى
أخذ هذا الشاب في البحث عن الحالات المرضية المزمنة التي بحاجة إلى عمليات جراحية كبيرة ولا يمكنها إجراءها لضيق ذات اليد ليقوم بتصنيف الحالات وفقاً لتشابه المرض وبالتالي تقسيمها إلى مجموعات لتبدأ المرحلة الثانية..
* المرحلة الثانية
في هذه المرحلة يصطحب الشاب الحالات إلى المستشفيات المتخصصة لتحديد ظروف العملية الجراحية وخطتها وكلفتها الكلية وإعداد تقرير بذلك … ليتبقى بعد ذلك أهم ما في الموضوع وهو تمويل نفقات العملية الجراحية، وهذا ما يتم في المرحلة الثالثة .
* المرحلة الثالثة : وتنقسم إلى شقين
الشق الأول : إدارة المستشفي
وفيه يلتقي الشاب بإدارة المستشفي المتخصصة والمتميزة في علاج تلك الحالات ليحصل على تخفيض لإجراء العملية الجراحية وبفضل من الله تحقق له ما لم يكن يتوقعه " فإنك إن تصدق الله يصدقك " حيث فاجأته كثير من إدارات المستشفيات التي طرق بابها بعطائها السخي والمتمثل في تحمل المستشفي نصف كلفة العملية الجراحية ليتحمل ذاك الشاب ربع النفقة ويتحمل المريض الربع الآخر إن استطاع أو لا يتحمل شيئا إن لم يستطع ..
ولما كان غالب المرضى من الفقراء ولا يستطيعون تحمل النفقات كان الشاب يشارك بماله قدر ما يستطيع , ولما ازدادت عدد الحالات المرضية التي تحتاج لعمليات جراحية بدأ الشاب في الشق الثاني من المرحلة الثالثة .
الشق الثاني … الميسورون
وهنا خاطب الشاب عددا من معارفه وأقربائه من الميسورين الصالحين كي يشاركونه مشروعه الطيب بعد أن عرض عليهم الملفات الطبية للحالات المتطلب لها العملية الجراحية مصحوبة بالتقدير المادي والقيمة التي ستتحملها المستشفي ولم يكن ذلك الشاب أبدا يتسلم من أحد مالا بيديه بل يبلغه باسم الحالة المريضة وباسم المستشفى والطبيب ليتعامل المنفق معها مباشرة وكان هدفه من ذلك مشاركة الناس شعور المريض وزيادة ثقتهم بالمشروع ومشاركتهم له في ذلك..
الآن وبعد مرور عدة سنوات على بداية المجهود الفردي لهذا الشاب وبعد ذياع صيته وتدفق المرضى غير القادرين عليه فإن متوسط العمليات الجراحية التي تجريها المستشفيات السعودية عن طريق هذا الشاب هي مئة حالة شهرياً بمتوسط اثنين مليون ريال بعد تخفيض المستشفيات .نحسب أنهم في ميزان حسنات هذا الشاب والمنفقين معه أضعافا مضاعفة إن شاء الله
والآن لنا وقفة ….
إذا كان هذا النشاط يقوم به شخص واحد بمجهوداته الفردية فكيف سيكون الحال عندما يكون المجهود مؤسسي أي يقوم من خلال مؤسسة ؟
أعلم أنه قد تكون هناك بعض الهيئات الخيرية التي تقوم بهذه المراحل الوسطية في عدد من المدن والبلاد لكنه نشاط غير ذائع الصيت مثل المشروعات الشهيرة للجمعيات على أهميتها وتنوعها .
لكن يبقي أن المؤسسات الخيرية الإسلامية المسجلة والمنتشرة الآن على ساحة القطاع الخيري محلياً ودولياً يمكنها إنشاء شعبة أو لجنة من أعضائها تكون مهمتها مثل هذا النشاط , ولا تتردد أو تتخوف من أية صعوبات مستقبلية فالشاب الذي معنا اليوم بدأ من لا شي توكل على الله وجعل عمله لله وفقط وأحسن السعي فصاحبه التوفيق .
كما أن كل فرد يجد في نفسه الإمكانات والمؤهلات الشخصية التي تؤهله لأن يحذو حذو هذا الشاب المبارك يمكنه أن يقوم بدور الوسيط الجراحي في منطقته أو مدينته بصورة رسمية تبعا لجمعيات خيرية مشهرة رسمية أو مؤسسة عامة أو غيره
خاصة وأن مجتمعاتنا بحاجة شديدة لهذه المجهودات في ظل الوضع الاقتصادي السيئ لبعض الدول الإسلامية وكذا وجود آلاف من الحالات المرضية قعيدة الفراش منتظرة للموت لأنها لا تملك الإمكانات المالية اللازمة لإجراء تلك العمليات .في وقت يحتاج فيه كل عبد معافى إلى تحقيق إنسانيته وإرضاء ربه .. يقول الشيخ شلتوت – رحمه الله – " إغاثة الملهوف خلق فاضل كريم تغرسه في الإنسان مجموعة من الخلال الفاضلة هي الرحمة والمروءة والشهامة وبهذه الصفات الثلاث ينبغي أن يكون الفرق بين الإنسان والحيوان فإذا كان المرء رحيم القلب شهم الفؤاد ذا مروءة ونجدة ينبعث إلى إغاثة الملهوف وتفريج كربة المكروب وقضاء حاجة المحتاج فذلك هو الإنسان"
يروي الذهبي في السير أن زين العابدين بن الحسن بن علي _رضي الله عنهم أجمعين_ كان يتفقد المعسرين والفقراء والمحتاجين ويحمل لهم أحمال الدقيق والزيت على ظهره في جوف الليل ويقول: " صدقة الليل تطفئ غضب الرب " , ولم يكن أحد يعرف عمله ذلك , فلما مات افتقد مئة بيت في المدينة أجولة الدقيق والزيت والتمر وبينما الناس يغسلونه إذا بآثار ما كان يحمله قد أثر في ظهره فعرفوا أنه هو .. رحمه الله.
كما أن كل مسلم عنده نبتة طيبة هي نبتة البذل وهي مؤهلة للإثمار إذا رويت فالشاب الذي عرفنا قصته قد وفقه الله لري تلك النبتة في نفسه أولا ثم في عدد من الأشخاص المؤثرين من أطباء وأصحاب مستشفيات وأثرياء وقد ظن بالله خيراً فكانت العاقبة خيرا واستطاع أن يمسح دمعة الألم منعين كل مكلوم . فلماذا لا يروي كل واحد منا تلك النبتة ليجد بإذن الله حصادها وثمارها في الدنيا والآخرة .
ولنا في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الأسوة الحسنة إذ يقول: " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " .