قرأت كغيري تصريح الرئيس التنفيذي لمجموعة الـmbc المنشور في موقع العربية بتاريخ/8/ رمضان/ 1427هـ ولعلي أقف مع هذا التصريح وما يحمله من “المفاهيم الإعلامية لمجموعة الـmbc ” بما يحقق النفع للقارئ الكريم، وإن كنت أطمح أن يكون له أثرا على مسيرة هذه المجموعة التي تدعي النجاح في تغيير وعي المشاهد، وتعزم على المضي قدما في أداء أهدفها أو ما ورد في التصريح أنه (رسالتها).
(1) كيف يكون الوعي؟
في البداية يجب أن نتفق أنه ليس الهدف من الإعلام أن يغير وعي المشاهد إلى أي وجهة كانت!! بل لا بد أن يكون التغيير إيجابيا حتى يكون وعيا. فهل يستطيع العاملون والقائمون على قنوات mbc أن يراهنوا أو يبرهنوا أن التغيير الذي أحدثته قنواتهم إيجابيا؟ أي: (يحقق لجمهورهم -المسلم- الهداية التي ينشدونها في كل ركعة من ركعات صلواتهم) طبعا الإجابة: لا، ومن قال غير ذلك فإنما يطعن في وعيه!
وعليه فإنه من السذاجة أن نقول أننا بحاجة إلى دراسات علمية -لنثبت تدمير هذه المجموعة لوعي الجمهور المسلم- في ظل وجود الأحكام القرآنية العظيمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فنحن كمسلمين نملك أحكاما قيمة، ومعايير مثالية نحاكم إليها كل ما ينتجه الإنسان من معرفة وفنون وسلوكيات متنوعة، وثقافتنا الإسلامية هي المرجع الصحيح لتقييم أي ثقافة أخرى انطلاقا من الحقائق المطلقة التي تكشف المرجعيات والممارسات ومدى قربها أو بعدها عن الحق.
فهل يزعم القائمون على هذه القنوات أنهم متبعون لمحمد _صلى الله عليه وسلم_ في كل ما يقدم في قنواتهم؟ أعتقد وأراهن أنهم سيقولون: لا، حتى لا يفتروا على الله كذبا.. {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (يونس32). وعندها سيعلم الجميع الحقيقة الدينية العظيمة التي يؤكدها القرآن الكريم أن من لم يتبع محمدا في كل سلوك يصدر عنه فهو متبع لهواه أو لغير هواه -من الشهوات أو الشيطان أو الآباء أو الظن أو الباطل (سبيل الكافرين)- وجميعها تقود لنتيجة واحدة وهي أن الإعراض عن الحق أو بعضه؛ انصراف إلى الضلال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} (الأحزاب3)، والمشاهد –الذي يعقل- في غناً عن الهداية التي يصعب التنقيب عنها بين ركام الجهل، رغم توافرها بأساليب وصور مشرقة في أماكن أخرى تحترم الإنسان وتقدير عقله.
وهنا نعود لقضية الوعي –التي يزعمونها- للتأكيد على أنه وعي زائف أو لنقل أنه استلاب للوعي، وإشغال الناس عن أمور حياتهم بإغراقهم في الترفيه والعبث الأخلاقي واستنساخ القيم أو تسولها من المجتمعات الغربية. ولذلك من العقل -والحكمة وحفظ المفاهيم واحترام عقول الناس- أن لا يسمى ما تقوم به هذه القنوات؛ أنه: “رسالة وتميز” حتى لا يكون ذلك من الصد عن دين الله وتزيين الباطل وزخرفة المنكر.
(2) تكامل برامجي لترويض الإسلام!
إذا نظرنا لما تقدمه مجموعة mbc وجدناه لا يخرج عن ثلاث أنواع من المضامين: (الأخبار، والتثقيف، والترفيه) ومع الإقرار بالتنوع الذي يكاد يغطي كافة مجالات الحياة إلا أنه يمكن الكشف عن البون الشاسع بين ما تقدمه القناة وبين الهداية التي يحتاجها الناس في كل مجالات حياتهم ويصرون على طلبها في كل ركعة من ركعات صلواتهم.
ففيما يتعلق بالأخبار: هل تستطيع mbc أو غيرها أن تقول للناس، (لماذا) هذه الأحداث وهذا السفك للدماء وهذا الصراع المتعدد الأشكال والأساليب؟! لن تستطيع لأنها لا تخضع –هي- للقرآن والسنة المحمدية في سياساتها البرامجية، وهما فقط –كتاب الله وسنة نبيه _صلى الله عليه وسلم_ المصدران اللذان يكشفان للناس حقيقة ما يجري في هذا الكون وليس الأرض وحدها، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم41)، ولا يشفع لها بضعه نفر من أهل العلم قدمتهم على مدى خمسة عشر عاما -من الحروب والصراعات الفكرية ومؤامرات طمس الهوية وإشاعة الفوضى في المجتمعات الخليجية (النفطية!) المحافظة- ثم هي أول مناقض لما ينادي به علماء الدين على شاشاتها وعبر أثيرها.
كما أن القناة لم تُعرف بالموضوعية –وفقا لمفاهيمنا الإسلامية- وليس مفاهيم الإعلاميين -إذ يعدون الحياد موضوعية تبعا لمفاهيم النسبية- فالموضوعية أن تنحاز القناة للحق، والحق فقط مهما كانت التبعات، وهنا يجب أن يُعلم أنهم قد يعذرون في السكوت عن بعض الحق، لكنهم لن يعذروا أمام الله في قول الباطل، ويكفي من الباطل أن لا يعتبروا الوجود الأمريكي في العراق احتلالا! ويروجونه على أنه قوة دولية متحالفة لتحرير العراق! فضلا عن قضية فلسطين التي لا يكون دعمها إلا بالوقوف الصريح في صف المجاهدين الذين يجاهدون اليهود، وهو ما لا تستطيع المجموعة أن تدعيه لأنها لا تملك البراهين لذلك، وغير ذلك من قضايا المسلمين.
أما ما يتعلق بالتثقيف: فخلاصة ما تقدمه القناة في هذا المجال يخدم فكرة –أو عقيدة- النسبية، وإن كان بعض الحق الصريح (المطلق) يقدم على شاشات المجموعة أو أثيرها إلا أن هذا لا يعدو أن يكون نوعا من أنواع ترسيخ هذه فكرة النسبية التي أصبحت في عرف العلماء الربانيين والمثقفين مخدرا يهدد العقيدة الإسلامية التي لا تقوم إلا باليقين المطلق في الحق الذي جاء به الرسول الكريم.
وفيما يتعلق بالترفيه: تتكشف أهداف القناة ورسالتها في هذا المجال تحديدا،حيث تدور برامج الترفيه حول استحلال ما حرم الله، فالحد الأدنى من الأحكام والأخلاق الإسلامية لا يحترم، لذا كان السكوت على اعتبار ذلك نجاحا ووعيا وتميزا ورسالة -تنفق من أجلها الأموال والطاقات- من قبيل التعاون على الإثم، ومن قبيل العدوان على الفطر السليمة والعقول الواعية والأنفس المؤمنة.
(3) جذور المشكلة:
يجب التأكيد على أن المعالجة والتصحيح لواقع المجموعة بعد خمسة عشر عام من “تعدي حدود الله” –ليسمحوا لي بهذا التعبير لأن ما يفعلونه ليس اجتهادا- إنما يبدأ من الهداية الفكرية والعقلية، حيث أن الممارسات الإدارية والمهنية لقنوات الـmbc استندت على مجموعة من الأفكار التي أدت إلى ظهور هذه الصورة التي تجمع بين المتناقضات:
أولها: أنها اتخذت من كونها تستهدف مجموعة من المجتمعات مبررا، بل أصلا فكريا تقوم عليه وبالتالي خرجت عن الإطار العام الذي يحدد مجال الاجتهاد والتفكير في المجتمع المسلم فلم يعد الإسلام هو المصدر بل أصبح المجتمع هو المصدر على غرار ثقافة الحرية. وهذا جعلها مخالفة ومعارضة لأهداف المجتمع المسلم وأصبحت صورة من صور تناقضه، وتصادم مؤسساته في عصر الانحطاط الذي نعيشه.
ثانيا: لما صار الجمهور هو الموجه للقناة كما يزعمون فإن الجمهور متعدد العقائد والمذاهب فضلا عن الرؤى والأفكار؛ وهذا تطلب أن يتجرد القائمون على الـmbc عن فكرهم ومبادئهم “السنية” من أجل تحقيق الرغبات المغايرة لهذا الحق، وصار ذلك تزييفا وتضليلا لكل الفئات؛ التي يعد الحق حاجتها الأولى.
ثالثا: أدى ذلك إلى تنامي “الرؤية الفاسدة” التي تساوي بين جميع العقائد والرؤى والأفكار في داخل المجتمعات المتعددة، وهذا إن كان يصح في المجتمعات غير المسلمة فإنه –قطعا- لا يصح في مجتمعات تملك منهجا ربانيا محفوظا من التغيير والتحريف، ولا يُقبل أن يساوى منهج الإسلام “الرباني” بغيره من الأفكار البشرية بدعوى التعددية في إعلام يصدر عن موحدين أو غيرهم، بغض النظر عن واقع هذا التنوع في المجتمع.
رابعا: إن القائم بالاتصال لا يمكن له أن يجمع بين ما يرضي أهواء جميع الشرائح نظرا للبون الشاسع بين الحق وغيره من صور الباطل والأهواء المتنوعة، ولأن هذه المنطقة من الصراع لا تحتمل غير اللونين الأبيض أو الأسود، فلا يمكن -وهذه حقيقة مؤكدة بالأدلة والبراهين- أن ينطلق إعلام من غير فكرة رئيسة تغذية، وليس هناك فكرة محايدة، ولا يمكن الجمع بين الحق والباطل في إعلام واحد دون التناقض والازدواج، وخطورة ذلك أن “الإعلامي الموحد” في هذه الحالة قد يقع في مناقض أو منافي لما يؤمن به ويعتقده.
خامسا: إن عدم إغفال الإعلام للشرائح المتعددة في المجتمع يعني أن تقدم لها احتياجاتها من الحق –مذهب أهل السنة والجماعة، الإسلام- لتعرفه بأساليب وطرق تناسبها وتتوافق مع حاجاتها، ولا يسمى هذا إكراها إنما هو دعوة ورحمة، لتعريفهم بمنهج الرشد وكشف مناهج الغي.
سادسا: إن كون المؤسسة أو مجموعة الـmbc -تعتبر نفسها- تجارية ربحية لا يعفيها من مسؤولياتها تجاه المجتمع، ذلك أن أصل الوسيلة هي الكلمة، ثم يأتي دور وسائل الإعلام في توسيع دائرة انتشار الكلمة ومساحة وصولها. والكلمة لا يمكن أن تكون محايدة فكريا مهما حاول الإنسان تجريدها أو ادعاء تجردها من الفكر، وهي وحدة التسجيل والثواب والعقاب في سجلات أعمالنا، ولذا فالكلمة تنطلق من أسس إيمانية ويجب أن تكون بيانا شافيا لما يجري، وأن تكون نورا وهدى لمن يستقبلها، وأن يكون دافعها ومحركها الرحمة بالناس من مرسلها سواء كان فردا أم مؤسسة.
(4) مصارحة قبل المحاكمة:
إن مضامين الإعلام لا تقوم إلا على أسس فلسفية، وهي في النهاية أوعية فكرية، وقد اعترف التصريح أن المجموعة: (منحت الناس المعلومات التي يحتاجونها ولم تمل عليهم أي قرارات ولم تسع للتوجيه الفكري وكان هناك أعداد متزايدة من الناس المستقلين بآرائهم).
فهل من الحكمة أن تقدم الانحرافات العقدية والفكرية -بدعوى التعدد- لجمهور موحد سليم الفطرة والفكر دون أن يكون هناك توجيه فكري يكشف تناقضها مع المسلمات الثابتة القطعية التي يؤمنون بها؟!
وهل من الحكمة أن يزاوج الإعلامي المسلم -المحاسب على كلماته، والمدعو من ربه إلى عدم تتبع ما ليس له به علم- بين الحق والباطل؟!
وهل من الحكمة أن يُصدر من لا يملك العلم بالحق لإعلام الناس وإخبارهم قبل أن يرفع الجهل عن نفسه؟!.
وهل من العقل أن يستجيب الإعلام لرغبات الناس وميولهم الغير مشروعه والسير خلف رغبات الشباب “غير السوية” أو استغلال الاضطرابات التي تصاحب هذه المرحلة وبيعهم للمعلنين الذين لا يزيدون النار إلا استعارا عبر إعلانات مسفه؟!
إن ديننا وفلسفتنا وفهمنا للحياة يختلف عن غيرنا، ويفرض علينا أن نقول كلمة حق في هذه المجموعة، أنها تشوه الإسلام وتجر المجتمعات المسلمة إلى عزل الإسلام في المساجد وإبعاده عن قضايا الحياة.
كما يجب أن نقول كلمة حق للقائمين عليها –الذين يتصورون أنهم يحسنون صنعا!- أنهم مطالبون بمحاكمة أنفسهم قبل أن يحاكموا وفقا لما يأتي:
أولا: أن المسلم لا يبقى مسلماً وهو يجيز شيئا مما حرمه الله عالما عامدا، فيجب عليهم أن يفهموا هذا الفارق بينهم وبين غيرهم من مالكي –ومستثمري- وسائل الإعلام أو الإعلاميين في العالم.
ثانيا: أن المسلم لا يمارس نشاطاً مستقلا عن شريعة الله، ويكون الحذر أشد في حال توجهه إلى أمة من الناس، فكما أنه ليس من حق الإنسان أن يبيح محرما أو يحرم حلالا لأن هذه القضايا محسومة دينيا، فإنه ليس من حقه أن يطوّر في أساليب ووسائل ترويج أمور محرمة متفق عليها من منظور شرعي، قبل أن تكون مبادئ أخلاقية فطرية.
(5) ختاما:
ليت الجمهور يعلم أن حرية تملك هذه القنوات واستخدامها؛ إنما هو ابتلاء وامتحان من الله لينظر كيف نعمل “ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (يونس14).
(1) كيف يكون الوعي؟
في البداية يجب أن نتفق أنه ليس الهدف من الإعلام أن يغير وعي المشاهد إلى أي وجهة كانت!! بل لا بد أن يكون التغيير إيجابيا حتى يكون وعيا. فهل يستطيع العاملون والقائمون على قنوات mbc أن يراهنوا أو يبرهنوا أن التغيير الذي أحدثته قنواتهم إيجابيا؟ أي: (يحقق لجمهورهم -المسلم- الهداية التي ينشدونها في كل ركعة من ركعات صلواتهم) طبعا الإجابة: لا، ومن قال غير ذلك فإنما يطعن في وعيه!
وعليه فإنه من السذاجة أن نقول أننا بحاجة إلى دراسات علمية -لنثبت تدمير هذه المجموعة لوعي الجمهور المسلم- في ظل وجود الأحكام القرآنية العظيمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فنحن كمسلمين نملك أحكاما قيمة، ومعايير مثالية نحاكم إليها كل ما ينتجه الإنسان من معرفة وفنون وسلوكيات متنوعة، وثقافتنا الإسلامية هي المرجع الصحيح لتقييم أي ثقافة أخرى انطلاقا من الحقائق المطلقة التي تكشف المرجعيات والممارسات ومدى قربها أو بعدها عن الحق.
فهل يزعم القائمون على هذه القنوات أنهم متبعون لمحمد _صلى الله عليه وسلم_ في كل ما يقدم في قنواتهم؟ أعتقد وأراهن أنهم سيقولون: لا، حتى لا يفتروا على الله كذبا.. {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (يونس32). وعندها سيعلم الجميع الحقيقة الدينية العظيمة التي يؤكدها القرآن الكريم أن من لم يتبع محمدا في كل سلوك يصدر عنه فهو متبع لهواه أو لغير هواه -من الشهوات أو الشيطان أو الآباء أو الظن أو الباطل (سبيل الكافرين)- وجميعها تقود لنتيجة واحدة وهي أن الإعراض عن الحق أو بعضه؛ انصراف إلى الضلال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} (الأحزاب3)، والمشاهد –الذي يعقل- في غناً عن الهداية التي يصعب التنقيب عنها بين ركام الجهل، رغم توافرها بأساليب وصور مشرقة في أماكن أخرى تحترم الإنسان وتقدير عقله.
وهنا نعود لقضية الوعي –التي يزعمونها- للتأكيد على أنه وعي زائف أو لنقل أنه استلاب للوعي، وإشغال الناس عن أمور حياتهم بإغراقهم في الترفيه والعبث الأخلاقي واستنساخ القيم أو تسولها من المجتمعات الغربية. ولذلك من العقل -والحكمة وحفظ المفاهيم واحترام عقول الناس- أن لا يسمى ما تقوم به هذه القنوات؛ أنه: “رسالة وتميز” حتى لا يكون ذلك من الصد عن دين الله وتزيين الباطل وزخرفة المنكر.
(2) تكامل برامجي لترويض الإسلام!
إذا نظرنا لما تقدمه مجموعة mbc وجدناه لا يخرج عن ثلاث أنواع من المضامين: (الأخبار، والتثقيف، والترفيه) ومع الإقرار بالتنوع الذي يكاد يغطي كافة مجالات الحياة إلا أنه يمكن الكشف عن البون الشاسع بين ما تقدمه القناة وبين الهداية التي يحتاجها الناس في كل مجالات حياتهم ويصرون على طلبها في كل ركعة من ركعات صلواتهم.
ففيما يتعلق بالأخبار: هل تستطيع mbc أو غيرها أن تقول للناس، (لماذا) هذه الأحداث وهذا السفك للدماء وهذا الصراع المتعدد الأشكال والأساليب؟! لن تستطيع لأنها لا تخضع –هي- للقرآن والسنة المحمدية في سياساتها البرامجية، وهما فقط –كتاب الله وسنة نبيه _صلى الله عليه وسلم_ المصدران اللذان يكشفان للناس حقيقة ما يجري في هذا الكون وليس الأرض وحدها، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم41)، ولا يشفع لها بضعه نفر من أهل العلم قدمتهم على مدى خمسة عشر عاما -من الحروب والصراعات الفكرية ومؤامرات طمس الهوية وإشاعة الفوضى في المجتمعات الخليجية (النفطية!) المحافظة- ثم هي أول مناقض لما ينادي به علماء الدين على شاشاتها وعبر أثيرها.
كما أن القناة لم تُعرف بالموضوعية –وفقا لمفاهيمنا الإسلامية- وليس مفاهيم الإعلاميين -إذ يعدون الحياد موضوعية تبعا لمفاهيم النسبية- فالموضوعية أن تنحاز القناة للحق، والحق فقط مهما كانت التبعات، وهنا يجب أن يُعلم أنهم قد يعذرون في السكوت عن بعض الحق، لكنهم لن يعذروا أمام الله في قول الباطل، ويكفي من الباطل أن لا يعتبروا الوجود الأمريكي في العراق احتلالا! ويروجونه على أنه قوة دولية متحالفة لتحرير العراق! فضلا عن قضية فلسطين التي لا يكون دعمها إلا بالوقوف الصريح في صف المجاهدين الذين يجاهدون اليهود، وهو ما لا تستطيع المجموعة أن تدعيه لأنها لا تملك البراهين لذلك، وغير ذلك من قضايا المسلمين.
أما ما يتعلق بالتثقيف: فخلاصة ما تقدمه القناة في هذا المجال يخدم فكرة –أو عقيدة- النسبية، وإن كان بعض الحق الصريح (المطلق) يقدم على شاشات المجموعة أو أثيرها إلا أن هذا لا يعدو أن يكون نوعا من أنواع ترسيخ هذه فكرة النسبية التي أصبحت في عرف العلماء الربانيين والمثقفين مخدرا يهدد العقيدة الإسلامية التي لا تقوم إلا باليقين المطلق في الحق الذي جاء به الرسول الكريم.
وفيما يتعلق بالترفيه: تتكشف أهداف القناة ورسالتها في هذا المجال تحديدا،حيث تدور برامج الترفيه حول استحلال ما حرم الله، فالحد الأدنى من الأحكام والأخلاق الإسلامية لا يحترم، لذا كان السكوت على اعتبار ذلك نجاحا ووعيا وتميزا ورسالة -تنفق من أجلها الأموال والطاقات- من قبيل التعاون على الإثم، ومن قبيل العدوان على الفطر السليمة والعقول الواعية والأنفس المؤمنة.
(3) جذور المشكلة:
يجب التأكيد على أن المعالجة والتصحيح لواقع المجموعة بعد خمسة عشر عام من “تعدي حدود الله” –ليسمحوا لي بهذا التعبير لأن ما يفعلونه ليس اجتهادا- إنما يبدأ من الهداية الفكرية والعقلية، حيث أن الممارسات الإدارية والمهنية لقنوات الـmbc استندت على مجموعة من الأفكار التي أدت إلى ظهور هذه الصورة التي تجمع بين المتناقضات:
أولها: أنها اتخذت من كونها تستهدف مجموعة من المجتمعات مبررا، بل أصلا فكريا تقوم عليه وبالتالي خرجت عن الإطار العام الذي يحدد مجال الاجتهاد والتفكير في المجتمع المسلم فلم يعد الإسلام هو المصدر بل أصبح المجتمع هو المصدر على غرار ثقافة الحرية. وهذا جعلها مخالفة ومعارضة لأهداف المجتمع المسلم وأصبحت صورة من صور تناقضه، وتصادم مؤسساته في عصر الانحطاط الذي نعيشه.
ثانيا: لما صار الجمهور هو الموجه للقناة كما يزعمون فإن الجمهور متعدد العقائد والمذاهب فضلا عن الرؤى والأفكار؛ وهذا تطلب أن يتجرد القائمون على الـmbc عن فكرهم ومبادئهم “السنية” من أجل تحقيق الرغبات المغايرة لهذا الحق، وصار ذلك تزييفا وتضليلا لكل الفئات؛ التي يعد الحق حاجتها الأولى.
ثالثا: أدى ذلك إلى تنامي “الرؤية الفاسدة” التي تساوي بين جميع العقائد والرؤى والأفكار في داخل المجتمعات المتعددة، وهذا إن كان يصح في المجتمعات غير المسلمة فإنه –قطعا- لا يصح في مجتمعات تملك منهجا ربانيا محفوظا من التغيير والتحريف، ولا يُقبل أن يساوى منهج الإسلام “الرباني” بغيره من الأفكار البشرية بدعوى التعددية في إعلام يصدر عن موحدين أو غيرهم، بغض النظر عن واقع هذا التنوع في المجتمع.
رابعا: إن القائم بالاتصال لا يمكن له أن يجمع بين ما يرضي أهواء جميع الشرائح نظرا للبون الشاسع بين الحق وغيره من صور الباطل والأهواء المتنوعة، ولأن هذه المنطقة من الصراع لا تحتمل غير اللونين الأبيض أو الأسود، فلا يمكن -وهذه حقيقة مؤكدة بالأدلة والبراهين- أن ينطلق إعلام من غير فكرة رئيسة تغذية، وليس هناك فكرة محايدة، ولا يمكن الجمع بين الحق والباطل في إعلام واحد دون التناقض والازدواج، وخطورة ذلك أن “الإعلامي الموحد” في هذه الحالة قد يقع في مناقض أو منافي لما يؤمن به ويعتقده.
خامسا: إن عدم إغفال الإعلام للشرائح المتعددة في المجتمع يعني أن تقدم لها احتياجاتها من الحق –مذهب أهل السنة والجماعة، الإسلام- لتعرفه بأساليب وطرق تناسبها وتتوافق مع حاجاتها، ولا يسمى هذا إكراها إنما هو دعوة ورحمة، لتعريفهم بمنهج الرشد وكشف مناهج الغي.
سادسا: إن كون المؤسسة أو مجموعة الـmbc -تعتبر نفسها- تجارية ربحية لا يعفيها من مسؤولياتها تجاه المجتمع، ذلك أن أصل الوسيلة هي الكلمة، ثم يأتي دور وسائل الإعلام في توسيع دائرة انتشار الكلمة ومساحة وصولها. والكلمة لا يمكن أن تكون محايدة فكريا مهما حاول الإنسان تجريدها أو ادعاء تجردها من الفكر، وهي وحدة التسجيل والثواب والعقاب في سجلات أعمالنا، ولذا فالكلمة تنطلق من أسس إيمانية ويجب أن تكون بيانا شافيا لما يجري، وأن تكون نورا وهدى لمن يستقبلها، وأن يكون دافعها ومحركها الرحمة بالناس من مرسلها سواء كان فردا أم مؤسسة.
(4) مصارحة قبل المحاكمة:
إن مضامين الإعلام لا تقوم إلا على أسس فلسفية، وهي في النهاية أوعية فكرية، وقد اعترف التصريح أن المجموعة: (منحت الناس المعلومات التي يحتاجونها ولم تمل عليهم أي قرارات ولم تسع للتوجيه الفكري وكان هناك أعداد متزايدة من الناس المستقلين بآرائهم).
فهل من الحكمة أن تقدم الانحرافات العقدية والفكرية -بدعوى التعدد- لجمهور موحد سليم الفطرة والفكر دون أن يكون هناك توجيه فكري يكشف تناقضها مع المسلمات الثابتة القطعية التي يؤمنون بها؟!
وهل من الحكمة أن يزاوج الإعلامي المسلم -المحاسب على كلماته، والمدعو من ربه إلى عدم تتبع ما ليس له به علم- بين الحق والباطل؟!
وهل من الحكمة أن يُصدر من لا يملك العلم بالحق لإعلام الناس وإخبارهم قبل أن يرفع الجهل عن نفسه؟!.
وهل من العقل أن يستجيب الإعلام لرغبات الناس وميولهم الغير مشروعه والسير خلف رغبات الشباب “غير السوية” أو استغلال الاضطرابات التي تصاحب هذه المرحلة وبيعهم للمعلنين الذين لا يزيدون النار إلا استعارا عبر إعلانات مسفه؟!
إن ديننا وفلسفتنا وفهمنا للحياة يختلف عن غيرنا، ويفرض علينا أن نقول كلمة حق في هذه المجموعة، أنها تشوه الإسلام وتجر المجتمعات المسلمة إلى عزل الإسلام في المساجد وإبعاده عن قضايا الحياة.
كما يجب أن نقول كلمة حق للقائمين عليها –الذين يتصورون أنهم يحسنون صنعا!- أنهم مطالبون بمحاكمة أنفسهم قبل أن يحاكموا وفقا لما يأتي:
أولا: أن المسلم لا يبقى مسلماً وهو يجيز شيئا مما حرمه الله عالما عامدا، فيجب عليهم أن يفهموا هذا الفارق بينهم وبين غيرهم من مالكي –ومستثمري- وسائل الإعلام أو الإعلاميين في العالم.
ثانيا: أن المسلم لا يمارس نشاطاً مستقلا عن شريعة الله، ويكون الحذر أشد في حال توجهه إلى أمة من الناس، فكما أنه ليس من حق الإنسان أن يبيح محرما أو يحرم حلالا لأن هذه القضايا محسومة دينيا، فإنه ليس من حقه أن يطوّر في أساليب ووسائل ترويج أمور محرمة متفق عليها من منظور شرعي، قبل أن تكون مبادئ أخلاقية فطرية.
(5) ختاما:
ليت الجمهور يعلم أن حرية تملك هذه القنوات واستخدامها؛ إنما هو ابتلاء وامتحان من الله لينظر كيف نعمل “ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” (يونس14).