حجية الاستدلال بالمصالح المرسلة
حجية الاستدلال بالمصالح المرسلة ثابتة بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، واستقراء الشريعة ؛ ومن أدلَّة حجيتها – إضافة إلى ما سبق من الأدلَّة العامَّة على اعتبار الاحتجاج بالاستدلال ما يأتي :
فمن الكتاب ما حكى الله تعالى في سورة الكهف ، من أعمال الخضر التي اعترض عليه بها موسى – عليهما الصلاة والسلام – لِمَا ظهر له من مخالفتها للشرع ؛ فلما نبَّأه بتأويلها وبين له ما قصده فيها من المصلحة سلَّم له .
قال أبو العباس ابن تيمية _رحمه الله_ : ” … ما فعله الخضر لم يكن مخالفا لشريعة موسى عليه السلام ، وموسى لم يكن عَلِمَ الأسباب التي تبيح ذلك ، فلما بينها له وافقه على ذلك ؛ فإنَّ خَرْقَ السفينة ثم ترقيعها لمصلحة أهلها خوفا من الظالم أن يأخذها إحسان إليهم وذلك جائز ، وقتل الصائل جائز وان كان صغيرا ، ومن كان تكفيره لأبويه لا يندفع إلا بقتله جاز قتله … ” .
وقال في موضع آخر : ” … قصة الخضر مع موسى لم تكن مخالفة لشرع الله وأمره ، … بل ما فعله الخضر هو مأمور به في الشرع بشرط أن يعلم من مصلحته ما علمه الخضر ؛ فإنَّه لم يفعل محرما مطلقا ، ولكن خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار ؛ فان إتلاف بعض المال لصلاح أكثره هو أمر مشروع دائما وكذلك قتل الإنسان الصائل لحفظ دين غيره أمر مشروع … فهذه القضية تدل على أنَّه يكون من الأمور ما ظاهره فساد ؛ فيحرِّمه من لم يعرف الحكمة التي لأجلها فعل ، وهو مباح في الشرع باطناً وظاهراً لمن علم ما فيه من الحكمة التي توجب حسنه وإباحته ” .
ومن السنة أدلَّة ، منها : تولي خالد بن الوليد _رضي الله عنه_ إمرة المسلمين في غزوة مؤتة ، مع أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يؤمِّره فيها ؛ وإنَّما مستنده في ذلك المصلحة الشرعية ؛ إذ كانت تقتضي وجود قيادة للجيش ، وليس ثم نص يُرجع إليه ؛ وقد أثنى عليه النبي _صلى الله عليه وسلم_ مع ذكره تأمُّرَه من غير تأمير منه [1] . وأمثلة ذلك كثيرة ، لمن تأمَّل .
وأمَّا الإجماع ؛ فقد أجمع الصحابة _رضي الله عنهم_ إجماعاً سكوتياً على العمل بالمصالح المرسلة ، في وقائع كثيرة بانضمام بعضها إلى بعض يحصل القطع ؛ من مثل : جمع المصحف ( كما عند البخاري ) ؛ وعهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر – رضي الله عنهما – (وهو في الصحيحين ) ؛ وتدوين الدواوين ( وهو في الموطأ والطبقات الكبرى وغيرها ) ؛ وعقوبة شارب الخمر بثمانين ( وهو في الصحيحين ) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي _رحمه الله_ : ” وأمثال هذا من أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ كثير جداً ، من غير نكير ولا معارض ؛ وهذا يدل دلالة واضحة على العمل بالمصالح المرسلة ” .
و يمكن الاحتجاج لها بالإجمـاع مطلقاً ؛ فـإنَّ العلماء قد اتفقوا على العمل بها ، عند تحقق شروطها في الواقعة ؛ وقد حكى الاتفاق على ذلك غير واحد من العلماء منهم الغزَّالي ، وابن دقيق العيد ، و الزركشي ؛ والقرافي ، والطوفي ، و الشنقيطي ، وغيرهم .
ويؤكِّد ذلك جملة ما عورض به القائلون بالمصالح المرسلة من حُجج ، حيث يتضح أنَّها خارجة عن المراد بالمصالح المرسلة عنـد القائلين بها ؛ ومن ثمَّ فهي واردة على غير محلِّ ما نازعوا فيه ؛ وعليه فإن الاستدلال بالمصالح المرسلـة سالم من المعارضـة ؛ فإنَّ المنظِّرين لها قد ضبطوا القول بها بضوابط تزيل ما خشيه المعارضون للقول بها ؛ فقد اشترطوا للاستدلال بها شروطاً تدرجهـا تحت النصوص الشرعية ، ومن المتفق عليه من هذه الشروط :
1) أن لا تعارض نصاً – من الكتاب أو السنة – ولا إجماعاً .
2) أن تكون ملائمة لتصرفات الشارع . بأن يثبت للمصلحة المستدلِّ بها علاقة اعتبار شرعية ، بدلالة أصل كلي ؛ بأن اعتبر الشارع جنسها في الجملة . وقد يعبر عنه بعض العلماء بقوله : أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة .
وطريقة معرفة ذلك قيدها القرافي بقوله : إنَّا نعتبر من النصوص الأصول ما هو خاصٌّ بذلك الباب في نوعه دون ما هو أعم منه ؛ فإذا كانت المَصلَحة في الإجارات ، اعتبرنا نصوص الإجارات ، أو في الجنايات اعتبرنا نصوص الجنايات ؛ أمَّا نصٌّ يشمل ذلك الباب وغيره ، فلا عبرة به ؛ لأنَّ هذه المصلحة أخص منها ، والأخصّ مقدمٌ على الأعم – لاسيما – إذا كان النصّ يشمل جميع الشريعة ، فقد كثر تخصيصه ، فضعف التمسك به “
ومن هنا اعتبر بعض علماء الأصول هذين الشرطين داخلين في مفهوم المصلحة المرسلة وحقيقتها ، وليسا مجرد شرطين للعمل بها .
وعلى هذا إنَّما تكون حجج المعارضين صحيحة في معارضـة ما فُهِم عن الطوفي من شذوذ – تعلق به بعض المنحرفين العصريين – من القول بالمصالح الملغاة التي سبق ذكر الاتفاق على إلغائها ، بتقديمه رعاية المصلحة على النصوص والإجماع ، بما سمّاه طريق البيان ، زاعماً أنَّها أقـوى من النصِّ والإجماع ، مع اعترافه بعد ذلك بأنَّ النصَّ لا يخالف المصلحة .
وأمَّا استقراء الشريعة ، فقد قال عزّ الدين بن عبد السلام رحمه الله : ” ومن تتبّع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد ، حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان ، بأنَّ هذه المصلحة لا يجوز إهمالها ، وأنَّ هذه المفسدة لا يجوز قُربانها ، وإن لم يكن فيها نصّ و لا إجماع ولا قياس خاص ؛ فإنَّ فَهْمَ نفس الشّرع يوجب ذلك ” .
ثم إنَّ الاستدلال بالمصلحة المرسلة مِمّا لا يتم الواجب إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وعلى كل حال فهي من طرق الاستدلال التي لا تستقل ببيان الأحكام دون أصل كلي ، قال الغزَّالي – رحمه الله تعالى – : ” … من ظنّ أنه أصل خامس فقد أخطأ ؛ لأنّا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع . فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فُهِمَ من الكتاب والسنة والإجماع ، وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع ، فهي باطلة مطَّرحة ، ومن صار إليها فقد شرَّع ، كما أن من استحسن فقد شرع . وكل مصلحةٍ رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصوداً بالكتاب والسنة والإجماع ؛ فليس خارجاً من هذه الأصول ، لكنه لا يسمى قياساً ، بل مصلحة مرسلة ، إذ القياس أصلٌ معين . وكون هذه المعاني مقصودةً عُرِف لا بدليل واحد ، بل بأدلةٍ كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال ، و تفاريق الأمارات ؛ فسُمّي لذلك مصلحة مرسلة . وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع ، فلا وجه للخلاف في اتباعها ، بل يجب القطع بكونها حجة ، وحيث ذكرنا خلافاً فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين ، وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى ” .
ومع هذا ؛ فإنَّ الاستدلال بالمصالح المرسلة ليس أمراً هيناً ، ولا هو بالمركب السهل ؛ وليس هو حقّاً لكل أحد ؛ إذ هو من أضنك مواقع الاجتهاد ، وأحراها بما يشترط في أهله من شروط دونها خَرْطُ القتاد .
وهذا ما سيأتي بيانه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
——————————————————————————–
[1] ينظر ذلك فيما رواه البخاري : ك/ الجهاد والسير ، ب/ تمني الشهادة ، ح(2798) ؛ و ك/ المغازي ، ب/غزوة مؤته من أرض الشام ، ح(4262) ؛ قال الحافظ ابن حجر – مبيناً ما يفيده هذا الحديث – : ” فيـه جواز التأمُّر في الحرب بغير تأمير ، قال الطحاوي : هذا أصل يؤخذ منه أنَّ على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر ، وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ” . فتح الباري : 7/586 .
حجية الاستدلال بالمصالح المرسلة ثابتة بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، واستقراء الشريعة ؛ ومن أدلَّة حجيتها – إضافة إلى ما سبق من الأدلَّة العامَّة على اعتبار الاحتجاج بالاستدلال ما يأتي :
فمن الكتاب ما حكى الله تعالى في سورة الكهف ، من أعمال الخضر التي اعترض عليه بها موسى – عليهما الصلاة والسلام – لِمَا ظهر له من مخالفتها للشرع ؛ فلما نبَّأه بتأويلها وبين له ما قصده فيها من المصلحة سلَّم له .
قال أبو العباس ابن تيمية _رحمه الله_ : ” … ما فعله الخضر لم يكن مخالفا لشريعة موسى عليه السلام ، وموسى لم يكن عَلِمَ الأسباب التي تبيح ذلك ، فلما بينها له وافقه على ذلك ؛ فإنَّ خَرْقَ السفينة ثم ترقيعها لمصلحة أهلها خوفا من الظالم أن يأخذها إحسان إليهم وذلك جائز ، وقتل الصائل جائز وان كان صغيرا ، ومن كان تكفيره لأبويه لا يندفع إلا بقتله جاز قتله … ” .
وقال في موضع آخر : ” … قصة الخضر مع موسى لم تكن مخالفة لشرع الله وأمره ، … بل ما فعله الخضر هو مأمور به في الشرع بشرط أن يعلم من مصلحته ما علمه الخضر ؛ فإنَّه لم يفعل محرما مطلقا ، ولكن خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار ؛ فان إتلاف بعض المال لصلاح أكثره هو أمر مشروع دائما وكذلك قتل الإنسان الصائل لحفظ دين غيره أمر مشروع … فهذه القضية تدل على أنَّه يكون من الأمور ما ظاهره فساد ؛ فيحرِّمه من لم يعرف الحكمة التي لأجلها فعل ، وهو مباح في الشرع باطناً وظاهراً لمن علم ما فيه من الحكمة التي توجب حسنه وإباحته ” .
ومن السنة أدلَّة ، منها : تولي خالد بن الوليد _رضي الله عنه_ إمرة المسلمين في غزوة مؤتة ، مع أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يؤمِّره فيها ؛ وإنَّما مستنده في ذلك المصلحة الشرعية ؛ إذ كانت تقتضي وجود قيادة للجيش ، وليس ثم نص يُرجع إليه ؛ وقد أثنى عليه النبي _صلى الله عليه وسلم_ مع ذكره تأمُّرَه من غير تأمير منه [1] . وأمثلة ذلك كثيرة ، لمن تأمَّل .
وأمَّا الإجماع ؛ فقد أجمع الصحابة _رضي الله عنهم_ إجماعاً سكوتياً على العمل بالمصالح المرسلة ، في وقائع كثيرة بانضمام بعضها إلى بعض يحصل القطع ؛ من مثل : جمع المصحف ( كما عند البخاري ) ؛ وعهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر – رضي الله عنهما – (وهو في الصحيحين ) ؛ وتدوين الدواوين ( وهو في الموطأ والطبقات الكبرى وغيرها ) ؛ وعقوبة شارب الخمر بثمانين ( وهو في الصحيحين ) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي _رحمه الله_ : ” وأمثال هذا من أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ كثير جداً ، من غير نكير ولا معارض ؛ وهذا يدل دلالة واضحة على العمل بالمصالح المرسلة ” .
و يمكن الاحتجاج لها بالإجمـاع مطلقاً ؛ فـإنَّ العلماء قد اتفقوا على العمل بها ، عند تحقق شروطها في الواقعة ؛ وقد حكى الاتفاق على ذلك غير واحد من العلماء منهم الغزَّالي ، وابن دقيق العيد ، و الزركشي ؛ والقرافي ، والطوفي ، و الشنقيطي ، وغيرهم .
ويؤكِّد ذلك جملة ما عورض به القائلون بالمصالح المرسلة من حُجج ، حيث يتضح أنَّها خارجة عن المراد بالمصالح المرسلة عنـد القائلين بها ؛ ومن ثمَّ فهي واردة على غير محلِّ ما نازعوا فيه ؛ وعليه فإن الاستدلال بالمصالح المرسلـة سالم من المعارضـة ؛ فإنَّ المنظِّرين لها قد ضبطوا القول بها بضوابط تزيل ما خشيه المعارضون للقول بها ؛ فقد اشترطوا للاستدلال بها شروطاً تدرجهـا تحت النصوص الشرعية ، ومن المتفق عليه من هذه الشروط :
1) أن لا تعارض نصاً – من الكتاب أو السنة – ولا إجماعاً .
2) أن تكون ملائمة لتصرفات الشارع . بأن يثبت للمصلحة المستدلِّ بها علاقة اعتبار شرعية ، بدلالة أصل كلي ؛ بأن اعتبر الشارع جنسها في الجملة . وقد يعبر عنه بعض العلماء بقوله : أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة .
وطريقة معرفة ذلك قيدها القرافي بقوله : إنَّا نعتبر من النصوص الأصول ما هو خاصٌّ بذلك الباب في نوعه دون ما هو أعم منه ؛ فإذا كانت المَصلَحة في الإجارات ، اعتبرنا نصوص الإجارات ، أو في الجنايات اعتبرنا نصوص الجنايات ؛ أمَّا نصٌّ يشمل ذلك الباب وغيره ، فلا عبرة به ؛ لأنَّ هذه المصلحة أخص منها ، والأخصّ مقدمٌ على الأعم – لاسيما – إذا كان النصّ يشمل جميع الشريعة ، فقد كثر تخصيصه ، فضعف التمسك به “
ومن هنا اعتبر بعض علماء الأصول هذين الشرطين داخلين في مفهوم المصلحة المرسلة وحقيقتها ، وليسا مجرد شرطين للعمل بها .
وعلى هذا إنَّما تكون حجج المعارضين صحيحة في معارضـة ما فُهِم عن الطوفي من شذوذ – تعلق به بعض المنحرفين العصريين – من القول بالمصالح الملغاة التي سبق ذكر الاتفاق على إلغائها ، بتقديمه رعاية المصلحة على النصوص والإجماع ، بما سمّاه طريق البيان ، زاعماً أنَّها أقـوى من النصِّ والإجماع ، مع اعترافه بعد ذلك بأنَّ النصَّ لا يخالف المصلحة .
وأمَّا استقراء الشريعة ، فقد قال عزّ الدين بن عبد السلام رحمه الله : ” ومن تتبّع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد ، حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان ، بأنَّ هذه المصلحة لا يجوز إهمالها ، وأنَّ هذه المفسدة لا يجوز قُربانها ، وإن لم يكن فيها نصّ و لا إجماع ولا قياس خاص ؛ فإنَّ فَهْمَ نفس الشّرع يوجب ذلك ” .
ثم إنَّ الاستدلال بالمصلحة المرسلة مِمّا لا يتم الواجب إلا به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
وعلى كل حال فهي من طرق الاستدلال التي لا تستقل ببيان الأحكام دون أصل كلي ، قال الغزَّالي – رحمه الله تعالى – : ” … من ظنّ أنه أصل خامس فقد أخطأ ؛ لأنّا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع . فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فُهِمَ من الكتاب والسنة والإجماع ، وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع ، فهي باطلة مطَّرحة ، ومن صار إليها فقد شرَّع ، كما أن من استحسن فقد شرع . وكل مصلحةٍ رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصوداً بالكتاب والسنة والإجماع ؛ فليس خارجاً من هذه الأصول ، لكنه لا يسمى قياساً ، بل مصلحة مرسلة ، إذ القياس أصلٌ معين . وكون هذه المعاني مقصودةً عُرِف لا بدليل واحد ، بل بأدلةٍ كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال ، و تفاريق الأمارات ؛ فسُمّي لذلك مصلحة مرسلة . وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع ، فلا وجه للخلاف في اتباعها ، بل يجب القطع بكونها حجة ، وحيث ذكرنا خلافاً فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين ، وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى ” .
ومع هذا ؛ فإنَّ الاستدلال بالمصالح المرسلة ليس أمراً هيناً ، ولا هو بالمركب السهل ؛ وليس هو حقّاً لكل أحد ؛ إذ هو من أضنك مواقع الاجتهاد ، وأحراها بما يشترط في أهله من شروط دونها خَرْطُ القتاد .
وهذا ما سيأتي بيانه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
——————————————————————————–
[1] ينظر ذلك فيما رواه البخاري : ك/ الجهاد والسير ، ب/ تمني الشهادة ، ح(2798) ؛ و ك/ المغازي ، ب/غزوة مؤته من أرض الشام ، ح(4262) ؛ قال الحافظ ابن حجر – مبيناً ما يفيده هذا الحديث – : ” فيـه جواز التأمُّر في الحرب بغير تأمير ، قال الطحاوي : هذا أصل يؤخذ منه أنَّ على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر ، وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ” . فتح الباري : 7/586 .