طيرت أزمة حزب الوفد المصرية آخر أوراق الليبرالية من فوق طاولة السياسة الحزبية المصرية؛ فلم يبق في جعبة الليبراليين المصريين ما يمكن أن يفاخروا به قيمياً بين أترابهم من نخبة الحركة السياسية المصرية, بعد أن صيرتهم المعركة الأخيرة التي جرت في معقل حزب الوفد ومقره الرئيسي بين أنصار رئيس الحزب و”الإصلاحيين” عناوين فشل للمشروع الليبرالي برمته في مصر.
لسنا في معرض شماتة, ولا ننأى بأفكارنا باتجاه ما يدغدغ مشاعر أنصار المشروع الإسلامي الذين شهدوا من قريب تجمد الفكر اليساري وتمزق أركانه إبان الانتخابات النيابية الماضية بعد أن تساقط أقطابه كأوراق الخريف أمام رياح حركة الإخوان المسلمين.. فمقام الشماتة ليس من شيم الأحرار, وإنما الحاصل أننا هنا لنخطف لمحة على خريطة الليبرالية المصرية بمنعرجاتها وسهولها وأوديتها وهضابها, نرى من خلالها الصورة بلا رتوش أو مبالغات, لتقودنا معطياتها إلى التأشير على هذا التآكل الليبرالي الذي احتواه عنوان الكلمة.
الليبراليون كأي تيار في ساحة العمل السياسي هم نتاج فكرة يراها الناس بعدساتهم الذاتية فتتباين ولاءاتهم وفقاً لدنوهم من هذه الكتلة الليبرالية أو تلك… ليس في هذه نقيصة بحد ذاته, فاليسار ذو شعب كثيرة والوسط كذلك, وحتى الإسلاميين في مصر تتنوع اجتهاداتهم فتتباين كتلهم السياسية وغير السياسية, والليبراليون هم تيار قد نما إثر تشكل حزب الوفد بالترافق مع ثورة 1919م في مصر بقيادة سعد زغلول, ويعد حزب الوفد حتى وفاة زعيمه السابق فؤاد سراج الدين الكيان الجامع لتيار الليبرالية, وهناك ليبراليون مستقلون متراوحة أفكارهم من الاعتدال الليبرالي إلى المتطرف المنتسب إلى تيار “الليبراليين الجدد”. هذا كله بطبيعة الحال أمر يمكن تفهمه وتقبله تنظيمياً على الأقل, بيد أن الفادح الأثر والمخجل لكل معتنقي الفكرة الليبرالية أن يستبد فريق من الحزب الرئيس في هذا التيار/الوفد برأيه بعد وفاة سراج الدين ويستحيل كياناً ديكتاتورياً سرعان ما يضيق بنقد “الإصلاحيين التقدميين” فيه فيطردهم بلا اكتراث بقيمه وأدبياته الحاكمة للخلاف داخله, ما يدفعهم إلى تشكيل حزب جديد هو حزب “الغد” الذي تشكل عموده الفقري من هذا الفريق “الإصلاحي التقدمي” فيه إضافة إلى ليبراليين مستقلين خارجه..
هذا الانشطار لم يحل دون استمرار التشظي النافذ في كل من “المحافظين” و”الإصلاحيين التقدميين”, فانشطر الأول إلى فريقين أحدهما سمى نفسه بتيار “الإصلاح” والآخر يدعي وصلاً بالليبرالية أيضاً, والثاني إلى فريقين أيضاً يتصارعان على السيطرة عليه, وكلاهما ضاق بنخبته ولجنته العليا وقيادته السبل في حل مشاكلهم عبر آليات النظم الليبرالية, فهرعوا إلى لجنة الأحزاب التي سئمنا حديثهم عن ديكتاتوريتها وعدم دستوريتها من قبل, يتحاكمون إليها!! حتى حل زعيما الحزبين ضيفين على سجنين مصريين بتهم جنائية وليست سياسية.. فسجين بتهمة “البلطجة” والآخر بتهمة “التزوير”..
والإشكاليات هنا كثيرة, فمنها أن مأزق الحزبين جاء نتاج ممارسة حزبية “ديمقراطية” ـ يفترض ـ وضعت موالين لأجهزة معادية للحزب في قمة هرمي الحزبين, وبالتالي فإن الديمقراطية الداخلية فيهما أفضت إلى حالة عجز فيها الحزبان عن إيجاد مخلصين لفكرته في أعلى تركيبته القيادية, ومنها أن الثقافة الليبرالية في مصر تسمح لقيادة حزبها العريق بأن يحاج خصومه الفكريين والسياسيين بالسنج والجنازير, ومنها أن حزب الوفد الذي يجعل من احتضان الهلال للصليب شعاراً له يرمز لقدرته على احتضان الطائفة القبطية في مصر برمتها يقف عاجزاً عن احتضان الفرقاء فيه داخل لجنته العليا, فكيف لو حكم مصر كلها!! وإذا كان من تربى داخل أروقة الحزب لعقود طوال لا يستنكف عن إطلاق النار وإصابة العشرات من محازبيه, فكيف يطمئن معارضوه خارجه من بطش يديه “الليبراليتين”؟
ومنها أن الحديث عن “إرهاب إسلامي” منفرد هو الآن قد أضحى نوعاً من الاستخفاف بالعقول التي ترى بأمهات العيون هذا الإرهاب الليبرالي البرجوازي المنمق الذي يرتدي رجاله البزات ويحملون شهادات الدكتوراة, ويحملون معها الأسلحة البيضاء والنارية..
بقى أن نقول: إن عدداً من الليبراليين الذين انخرطوا في الحزب الحاكم رجاء “الإصلاح” ـ أيضاً ـ من الداخل, قد بدءوا يحزمون أمتعتهم ويتسربون منه بعد أن خاب ظنهم فيه, رغم أنهم دخلوه وهم بالأكيد موقنون حقيقته المغايرة لمبادئهم “الإصلاحية” أيضا!!
بقلم: أمير سعيد
لسنا في معرض شماتة, ولا ننأى بأفكارنا باتجاه ما يدغدغ مشاعر أنصار المشروع الإسلامي الذين شهدوا من قريب تجمد الفكر اليساري وتمزق أركانه إبان الانتخابات النيابية الماضية بعد أن تساقط أقطابه كأوراق الخريف أمام رياح حركة الإخوان المسلمين.. فمقام الشماتة ليس من شيم الأحرار, وإنما الحاصل أننا هنا لنخطف لمحة على خريطة الليبرالية المصرية بمنعرجاتها وسهولها وأوديتها وهضابها, نرى من خلالها الصورة بلا رتوش أو مبالغات, لتقودنا معطياتها إلى التأشير على هذا التآكل الليبرالي الذي احتواه عنوان الكلمة.
الليبراليون كأي تيار في ساحة العمل السياسي هم نتاج فكرة يراها الناس بعدساتهم الذاتية فتتباين ولاءاتهم وفقاً لدنوهم من هذه الكتلة الليبرالية أو تلك… ليس في هذه نقيصة بحد ذاته, فاليسار ذو شعب كثيرة والوسط كذلك, وحتى الإسلاميين في مصر تتنوع اجتهاداتهم فتتباين كتلهم السياسية وغير السياسية, والليبراليون هم تيار قد نما إثر تشكل حزب الوفد بالترافق مع ثورة 1919م في مصر بقيادة سعد زغلول, ويعد حزب الوفد حتى وفاة زعيمه السابق فؤاد سراج الدين الكيان الجامع لتيار الليبرالية, وهناك ليبراليون مستقلون متراوحة أفكارهم من الاعتدال الليبرالي إلى المتطرف المنتسب إلى تيار “الليبراليين الجدد”. هذا كله بطبيعة الحال أمر يمكن تفهمه وتقبله تنظيمياً على الأقل, بيد أن الفادح الأثر والمخجل لكل معتنقي الفكرة الليبرالية أن يستبد فريق من الحزب الرئيس في هذا التيار/الوفد برأيه بعد وفاة سراج الدين ويستحيل كياناً ديكتاتورياً سرعان ما يضيق بنقد “الإصلاحيين التقدميين” فيه فيطردهم بلا اكتراث بقيمه وأدبياته الحاكمة للخلاف داخله, ما يدفعهم إلى تشكيل حزب جديد هو حزب “الغد” الذي تشكل عموده الفقري من هذا الفريق “الإصلاحي التقدمي” فيه إضافة إلى ليبراليين مستقلين خارجه..
هذا الانشطار لم يحل دون استمرار التشظي النافذ في كل من “المحافظين” و”الإصلاحيين التقدميين”, فانشطر الأول إلى فريقين أحدهما سمى نفسه بتيار “الإصلاح” والآخر يدعي وصلاً بالليبرالية أيضاً, والثاني إلى فريقين أيضاً يتصارعان على السيطرة عليه, وكلاهما ضاق بنخبته ولجنته العليا وقيادته السبل في حل مشاكلهم عبر آليات النظم الليبرالية, فهرعوا إلى لجنة الأحزاب التي سئمنا حديثهم عن ديكتاتوريتها وعدم دستوريتها من قبل, يتحاكمون إليها!! حتى حل زعيما الحزبين ضيفين على سجنين مصريين بتهم جنائية وليست سياسية.. فسجين بتهمة “البلطجة” والآخر بتهمة “التزوير”..
والإشكاليات هنا كثيرة, فمنها أن مأزق الحزبين جاء نتاج ممارسة حزبية “ديمقراطية” ـ يفترض ـ وضعت موالين لأجهزة معادية للحزب في قمة هرمي الحزبين, وبالتالي فإن الديمقراطية الداخلية فيهما أفضت إلى حالة عجز فيها الحزبان عن إيجاد مخلصين لفكرته في أعلى تركيبته القيادية, ومنها أن الثقافة الليبرالية في مصر تسمح لقيادة حزبها العريق بأن يحاج خصومه الفكريين والسياسيين بالسنج والجنازير, ومنها أن حزب الوفد الذي يجعل من احتضان الهلال للصليب شعاراً له يرمز لقدرته على احتضان الطائفة القبطية في مصر برمتها يقف عاجزاً عن احتضان الفرقاء فيه داخل لجنته العليا, فكيف لو حكم مصر كلها!! وإذا كان من تربى داخل أروقة الحزب لعقود طوال لا يستنكف عن إطلاق النار وإصابة العشرات من محازبيه, فكيف يطمئن معارضوه خارجه من بطش يديه “الليبراليتين”؟
ومنها أن الحديث عن “إرهاب إسلامي” منفرد هو الآن قد أضحى نوعاً من الاستخفاف بالعقول التي ترى بأمهات العيون هذا الإرهاب الليبرالي البرجوازي المنمق الذي يرتدي رجاله البزات ويحملون شهادات الدكتوراة, ويحملون معها الأسلحة البيضاء والنارية..
بقى أن نقول: إن عدداً من الليبراليين الذين انخرطوا في الحزب الحاكم رجاء “الإصلاح” ـ أيضاً ـ من الداخل, قد بدءوا يحزمون أمتعتهم ويتسربون منه بعد أن خاب ظنهم فيه, رغم أنهم دخلوه وهم بالأكيد موقنون حقيقته المغايرة لمبادئهم “الإصلاحية” أيضا!!
بقلم: أمير سعيد
Hijri Date Correction:
1