من المعلوم أن منصباً كبيراً كمنصب المفتي في دولة كمصر معروفة بمشاعر أهلها الدينية العميقة منصب له خطورته وحساسيته، لا سيما مع ارتفاع نسبة الأمية والجهل بالكثير من القضايا الفقهية، بالإضافة إلى القداسة التي يحيط بها المصريون البسطاء علماء الأزهر، فكيف إذا حمل العالم لقب دكتور؟!
ما يحدث الآن في مصر ليس زلة من عالم، ولا حتى قلة علم من فقيه، بل هي جريمة مكتملة الأركان، تستهدف الأمة في صميم اعتقادها، بل إنني لا أكون مبالغاً إذا قلت إنه تم تعيين هذا الرجل بالذات ليقوم بالمهمة الأخطر في مواجهة النفوذ المتزايد للإسلاميين في مصر، والتصاعد الكبير لموجة التدين المرتبط بأصول أهل السنة والجماعة، والذي أصبح يشكل الخطر الأكبر على الكثير من الأنظمة العربية بعد التجربة الأمريكية في العراق، والخزي الرهيب الذي منيت به الدولة العظمى على يد أبناء المحافظات السنية، الذين أطلق على المنطقة التي يعيشون فيها تعبيرات كثيرة، ليس أقلها عبارة: “مثلث الموت”.
الأخطر في الأمر أن قليلين فقط هم من يدركون حقيقة الرجل، بل ربما كان السواد الأعظم من جمهور الصحوة أنفسهم مخدوعين في حقيقة الرجل الذي يسبقه لقبان: فهو الدكتور وهو المفتي في الآن نفسه.
حل الدكتور علي جمعة (مفتي مصر الحالي) مؤخراً ضيفاً على عدد لا بأس به من الفضائيات، وكان نجماً في برنامج “البيت بيتك” على التلفزيون المصري، وحل ضيفاً على شبكة الإي آر تي بمفرده أو مع بعض الدعاة كعمرو خالد في موسم الحج وفي مؤتمر دولي لمناصرة الرسول _عليه السلام_، وغير ذلك من المناسبات.. باعتباره عالماً وفقيهاً متبحراً في أصول الدين.. والغريب أن (علي جمعة) لم يكن طالباً أزهرياً، فقد درس التجارة بجامعة عين شمس، إلا أنه يعد من أكثر الأساتذة شعبية بين طلاب كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فهو الوحيد الذي كان يدعوهم للاستمتاع بالمذاكرة والحياة في نفس الوقت، مؤكداً لهم أن الدين لغة الحياة.
حاولت معظم الفضائيات تسويق الرجل على أنه يجمع بين العلم بالشرع والإدراك الكامل للواقع، وأبدى الكثيرون من الناس إعجابهم بموقفه من (شيخ الأزهر) الدكتور محمد سيد طنطاوي من قضية اعتبار النبي _صلى الله عليه وسلم_ عاجزاً عن الدفاع عن نفسه باعتباره ميتاً.. ظن الناس أن المفتي يعارض الطريقة ولم يفطن أحد إلى أن بعض المتصوفة لا يعترفون بوفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_ أصلاً، فهو في اعتقادهم انتقل فقط، وأن الرجل ربما كان من مؤيدي هذا الفريق، وإلا فما دلالة إصراره على استخدام لفظ “انتقال النبي” بدلا من “وفاة” أو “موت” (!)..
لم يسلم الأمر أحياناً من إثارة بعض التساؤلات حول فتاوى غريبة للرجل صدمت الناس، ودفعت عدداً من علماء الأزهر للرد عليه، مثل فتواه المشهورة بجواز بيع المسلم الخمور وتقديمها لغير المسلمين في البلاد الغربية!.. واتهامه لكل من لم يذهب للمشاركة في استفتاء تعديل الدستور بأنه يعد كاتماً للشهادة، وفتواه بجواز التحنيط، ثم عودته لبيان أن ذلك جائز لغير المسلمين، بل إن الأمر وصل أحياناً إلى صدام صريح كما حدث بين الرجل وبين جريدة الأسبوع المصرية، وهو ما انتقل إلى الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية بتخصيص مكان للرد على “افتراءات” جريدة الأسبوع!!
الرجل يبدو من مظهره الحالي التزامه بمنهج أهل السنة، ويتجمع حوله حتى قبل توليه منصب المفتي عدد لا بأس به من شباب الصحوة في مصر، وتحديداً من التيارات السلفية، باعتباره عالماً متبحراً في الأصول.. يكثر من الاستشهاد بابن تيمية، ويبدي تقديره لعلماء السلف، وتكسو وجهه لحية بيضاء، في مظهر سلفي واضح، إضافة إلى زيه الأزهري (هذا في الظاهر فقد تحدث الشباب الذين زاروه عن سخريته من علماء الجزيرة العربية وآراء الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية..كما أن بعض مخالطيه قبل توليه منصب المفتي تحدثوا عنه كداعية “مودرن” كان يرتدى أحدث أنواع البدل، ويلعب التنس، ويهوى المشي على كورنيش النيل، ويجيد التحدث بثلاث لغات أجنبية!!).
تولى الدكتور علي جمعة الإفتاء في مصر فجأة، فبعد معاناة يوم شاق من المحاضرات تلقى الدكتور علي جمعة مكالمة صغيره لا تتعدى الخمس دقائق تخبره بقرار توليه منصب مفتى الديار المصرية، خلفاً للدكتور أحمد الطيب، الذي تولى رئاسة جامعه الأزهر.
لم يشغل بال أحد وقتها أن يبحث عن مغزى التغيير.. ولا لماذا تم اختيار علي جمعة بالذات.. ولماذا أصلاً يعين الدكتور الطيب وهو على مشارف التقاعد ثم يستبدل؟ لا سيما أن الجميع يعرفون أنه لا يمكن تصعيد أي إنسان إلى هذا المنصب الحساس (منصب المفتي) إلا بعد دراسة مستفيضة لملفه الأمني.. وضمان ولائه المطلق وعدم شبهة (مجرد شبهة) إزعاجه للنظام، وفي ظل وضع يعلم فيه الجميع أن عامل النظافة في أي مسجد مصري تخضع أوراقه للتدقيق الشديد من قبل الأجهزة الأمنية، فكيف إذا تعلق الأمر بمنصب مفتي البلاد؟!
مؤخراً قررنا أن نقطع الشك باليقين.. ذهب عدد من الشباب إلى دار الإفتاء.. استطلعوا رأي المفتي في أمور بعينها.. حصلوا على الفتاوى مطبوعة ومختومة بشعار الدولة، بل إن المفتي قام بنفسه بالتوقيع عليها..
وأثناء التفكير في إعداد هذا التقرير، خرج كتيب صغير يحمل بعض آراء الرجل الفقهية، لكن الغريب والمريب أن هذا الكتيب لم يتم طبعه في دار الإفتاء المصرية (!)، وهو لا يتداول بمقابل مادي، ولم يخضع حتى لترقيم دولي للكتب، وكان عنوانه: “البيان القويم لتصحيح بعض من المفاهيم”، والعنوان الفرعي له:”مجموعة فتاوى لدحض الشبهات وجمع الشتات”.. وذيل الغلاف بعبارة:” وقف لله _تعالى_..يهدى ولا يباع”.. بل إن المفتي قام بنفسه بالتوقيع على الصفحة الأولى من الكتاب، تسبق التوقيع عبارة:”يصرح بالطبع”..
..على الغلاف الأخير للكتاب وردت بعض الموضوعات التالية: “اقرأ في هذا الكتاب: هل خلق الخلق لأجله _صلى الله عليه وسلم_؟ التوسل بالنبي بعد انتقاله؟ إمكانية رؤية النبي في اليقظة.. زيارة أضرحة آل البيت وأهميتها..نجاة والدي النبي.. شد الرحال لزيارة قبور الأولياء الصالحين.. حلقات الذكر.. أهمية الاحتفال بمولد النبي..هل حلق اللحية حرام؟ ما حكم لبس النقاب؟ هل إسبال الثوب حرام مطلقاً؟ الطرق الصوفية”.. وحتى لا نتهم بالمبالغة أو التجني على الرجل، سيقتصر دورنا في هذا التقرير على نقل نص بعض فتاوى المفتي، مثيرين حولها تساؤلات ضمنية، ومحذرين من الخطر،مع العلم أننا سنورد بعض الأمثلة فقط للتدليل، تاركين التعامل مع نص الفتاوى بالكامل للمتخصصين من علماء الأمة الصادقين.. مع ملاحظة أننا اضطررنا للاختصار لضيق المساحة، ومع احتفاظنا بنسخة من الكتاب ونص الفتاوى الممهورة بخاتم الدولة الرسمي لمن أراد الاطلاع عليها من أهل العلم.. وقد اكتفينا بذكر سبع من هذه الفتاوى للتدليل ولفت الانتباه فقط، وما خفي أعظم، وإلى الله _سبحانه وتعالى_ وحده المشتكى:
السؤال الأول: هل عبارة “لولا سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ ما خلق الله الخلق” صحيحة المعنى ولا تتعارض مع أصول الدين وأساسيات الاعتقاد الصحيح؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. تلك العبارة منسجمة تمام الانسجام مع أصول التشريع الإسلامي”.
السؤال الثاني: هل يمكن فعلا رؤية النبي _صلى الله عليه وسلم_ أثناء اليقظة، وما حقيقة هذا الأمر؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. رؤية الصالحين للنبي _صلى الله عليه وسلم_ في اليقظة قد تحدث، ولا يوجد مانع عقلي أو شرعي يمنعها، ولكن هذا باب عزيز ليس مفتوحا لكل أحد، وينبغي على من رآه ألا يحدِّث من لا طاقة له بهذا.. فمخاطبة الناس بما يعقلون أولى(!!)”.
السؤال الثالث: تحتفل الأمة الإسلامية كل عام بالمولد النبوي الشريف، ونرى من يعترض على ذلك الاحتفال، ويقولون إنه بدعة، فما حقيقة ذلك؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..نرى استحباب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف موافقة للأمة والعلماء… ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العملي للأمة وأقوال هؤلاء الأئمة”.
السؤال الرابع: هل يجوز التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ في الدعاء بعد انتقاله؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها على جواز واستحباب التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ في حياته وبعد انتقاله (لاحظ استخدام لفظ “انتقاله” بدلاً من “موته”)، وما نراه أن التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ مستحب، وأحد صيغ الدعاء إلى الله _عز وجل_ المندوب إليها، ولا عبرة لمن شذ عن إجماع العلماء كابن تيمية ومن ردد كلامه من بعده!”.
السؤال الخامس: ما حكم الحلف بغير الله، وهل الترجي بسيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وآل البيت والكعبة والمصحف، كأن يقول الإنسان مثلا:”والنبي تعمل كذا، وسيدنا الحسين وغلاوته عندك” والمقصود الترجي وليس القسم، هل يعد ذلك شركا؟ حيث يفاجأ الإنسان إذا قال ذلك بمن يقول له: هذا حرام، هذا شرك، قل: لا إله إلا الله.
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..أما الحلف بما هو معظّم في الشرع كالنبي والإسلام والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه..(زعم المفتي في نص هذه الفتوى أن الإمام أحمد أجاز ذلك في أحد قوليه!!).. أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ أو بغيره مما لا يقصد به حقيقة الحلف فغير داخل في النهي أصلا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه حيث ورد في كلام النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكلام الصحابة الكرام (!!)”.
السؤال السادس: .. هل يجوز شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقبور الصالحين؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. شد الرحال لزيارة قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ مستحب؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لتحصيل المستحب وهو الزيارة، وكذلك شد الرحال لزيارة قبور الصالحين والأقارب مستحب لأنه وسيلته، وشد الرحال للأمور المباحة مباح”.
السؤال السابع: ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟ وهل يعدّ ذلك من قبيل اتخاذ القبر مسجدا؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. قضية المساجد التي بها قبور قضية فقهية فرعية، استغلها الجهال ومبتغو الفتنة أسوأ استغلال (!)…فبيان حكم الصلاة بالمسجد الذي به ضريح يكون إذا كان القبر في مكان منعزل عن المسجد، أي لا يصلى فيه فالصلاة صحيحة، ولا حرمة ولا كراهة فيها، أما إذا كان القبر في داخل المسجد فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب الإمام أحمد، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة”.
..هذه فقط بعض النماذج، فهل آن الأوان لبيان حقيقة الرجل للناس!
ما يحدث الآن في مصر ليس زلة من عالم، ولا حتى قلة علم من فقيه، بل هي جريمة مكتملة الأركان، تستهدف الأمة في صميم اعتقادها، بل إنني لا أكون مبالغاً إذا قلت إنه تم تعيين هذا الرجل بالذات ليقوم بالمهمة الأخطر في مواجهة النفوذ المتزايد للإسلاميين في مصر، والتصاعد الكبير لموجة التدين المرتبط بأصول أهل السنة والجماعة، والذي أصبح يشكل الخطر الأكبر على الكثير من الأنظمة العربية بعد التجربة الأمريكية في العراق، والخزي الرهيب الذي منيت به الدولة العظمى على يد أبناء المحافظات السنية، الذين أطلق على المنطقة التي يعيشون فيها تعبيرات كثيرة، ليس أقلها عبارة: “مثلث الموت”.
الأخطر في الأمر أن قليلين فقط هم من يدركون حقيقة الرجل، بل ربما كان السواد الأعظم من جمهور الصحوة أنفسهم مخدوعين في حقيقة الرجل الذي يسبقه لقبان: فهو الدكتور وهو المفتي في الآن نفسه.
حل الدكتور علي جمعة (مفتي مصر الحالي) مؤخراً ضيفاً على عدد لا بأس به من الفضائيات، وكان نجماً في برنامج “البيت بيتك” على التلفزيون المصري، وحل ضيفاً على شبكة الإي آر تي بمفرده أو مع بعض الدعاة كعمرو خالد في موسم الحج وفي مؤتمر دولي لمناصرة الرسول _عليه السلام_، وغير ذلك من المناسبات.. باعتباره عالماً وفقيهاً متبحراً في أصول الدين.. والغريب أن (علي جمعة) لم يكن طالباً أزهرياً، فقد درس التجارة بجامعة عين شمس، إلا أنه يعد من أكثر الأساتذة شعبية بين طلاب كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فهو الوحيد الذي كان يدعوهم للاستمتاع بالمذاكرة والحياة في نفس الوقت، مؤكداً لهم أن الدين لغة الحياة.
حاولت معظم الفضائيات تسويق الرجل على أنه يجمع بين العلم بالشرع والإدراك الكامل للواقع، وأبدى الكثيرون من الناس إعجابهم بموقفه من (شيخ الأزهر) الدكتور محمد سيد طنطاوي من قضية اعتبار النبي _صلى الله عليه وسلم_ عاجزاً عن الدفاع عن نفسه باعتباره ميتاً.. ظن الناس أن المفتي يعارض الطريقة ولم يفطن أحد إلى أن بعض المتصوفة لا يعترفون بوفاة النبي _صلى الله عليه وسلم_ أصلاً، فهو في اعتقادهم انتقل فقط، وأن الرجل ربما كان من مؤيدي هذا الفريق، وإلا فما دلالة إصراره على استخدام لفظ “انتقال النبي” بدلا من “وفاة” أو “موت” (!)..
لم يسلم الأمر أحياناً من إثارة بعض التساؤلات حول فتاوى غريبة للرجل صدمت الناس، ودفعت عدداً من علماء الأزهر للرد عليه، مثل فتواه المشهورة بجواز بيع المسلم الخمور وتقديمها لغير المسلمين في البلاد الغربية!.. واتهامه لكل من لم يذهب للمشاركة في استفتاء تعديل الدستور بأنه يعد كاتماً للشهادة، وفتواه بجواز التحنيط، ثم عودته لبيان أن ذلك جائز لغير المسلمين، بل إن الأمر وصل أحياناً إلى صدام صريح كما حدث بين الرجل وبين جريدة الأسبوع المصرية، وهو ما انتقل إلى الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية بتخصيص مكان للرد على “افتراءات” جريدة الأسبوع!!
الرجل يبدو من مظهره الحالي التزامه بمنهج أهل السنة، ويتجمع حوله حتى قبل توليه منصب المفتي عدد لا بأس به من شباب الصحوة في مصر، وتحديداً من التيارات السلفية، باعتباره عالماً متبحراً في الأصول.. يكثر من الاستشهاد بابن تيمية، ويبدي تقديره لعلماء السلف، وتكسو وجهه لحية بيضاء، في مظهر سلفي واضح، إضافة إلى زيه الأزهري (هذا في الظاهر فقد تحدث الشباب الذين زاروه عن سخريته من علماء الجزيرة العربية وآراء الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ومن قبله شيخ الإسلام ابن تيمية..كما أن بعض مخالطيه قبل توليه منصب المفتي تحدثوا عنه كداعية “مودرن” كان يرتدى أحدث أنواع البدل، ويلعب التنس، ويهوى المشي على كورنيش النيل، ويجيد التحدث بثلاث لغات أجنبية!!).
تولى الدكتور علي جمعة الإفتاء في مصر فجأة، فبعد معاناة يوم شاق من المحاضرات تلقى الدكتور علي جمعة مكالمة صغيره لا تتعدى الخمس دقائق تخبره بقرار توليه منصب مفتى الديار المصرية، خلفاً للدكتور أحمد الطيب، الذي تولى رئاسة جامعه الأزهر.
لم يشغل بال أحد وقتها أن يبحث عن مغزى التغيير.. ولا لماذا تم اختيار علي جمعة بالذات.. ولماذا أصلاً يعين الدكتور الطيب وهو على مشارف التقاعد ثم يستبدل؟ لا سيما أن الجميع يعرفون أنه لا يمكن تصعيد أي إنسان إلى هذا المنصب الحساس (منصب المفتي) إلا بعد دراسة مستفيضة لملفه الأمني.. وضمان ولائه المطلق وعدم شبهة (مجرد شبهة) إزعاجه للنظام، وفي ظل وضع يعلم فيه الجميع أن عامل النظافة في أي مسجد مصري تخضع أوراقه للتدقيق الشديد من قبل الأجهزة الأمنية، فكيف إذا تعلق الأمر بمنصب مفتي البلاد؟!
مؤخراً قررنا أن نقطع الشك باليقين.. ذهب عدد من الشباب إلى دار الإفتاء.. استطلعوا رأي المفتي في أمور بعينها.. حصلوا على الفتاوى مطبوعة ومختومة بشعار الدولة، بل إن المفتي قام بنفسه بالتوقيع عليها..
وأثناء التفكير في إعداد هذا التقرير، خرج كتيب صغير يحمل بعض آراء الرجل الفقهية، لكن الغريب والمريب أن هذا الكتيب لم يتم طبعه في دار الإفتاء المصرية (!)، وهو لا يتداول بمقابل مادي، ولم يخضع حتى لترقيم دولي للكتب، وكان عنوانه: “البيان القويم لتصحيح بعض من المفاهيم”، والعنوان الفرعي له:”مجموعة فتاوى لدحض الشبهات وجمع الشتات”.. وذيل الغلاف بعبارة:” وقف لله _تعالى_..يهدى ولا يباع”.. بل إن المفتي قام بنفسه بالتوقيع على الصفحة الأولى من الكتاب، تسبق التوقيع عبارة:”يصرح بالطبع”..
..على الغلاف الأخير للكتاب وردت بعض الموضوعات التالية: “اقرأ في هذا الكتاب: هل خلق الخلق لأجله _صلى الله عليه وسلم_؟ التوسل بالنبي بعد انتقاله؟ إمكانية رؤية النبي في اليقظة.. زيارة أضرحة آل البيت وأهميتها..نجاة والدي النبي.. شد الرحال لزيارة قبور الأولياء الصالحين.. حلقات الذكر.. أهمية الاحتفال بمولد النبي..هل حلق اللحية حرام؟ ما حكم لبس النقاب؟ هل إسبال الثوب حرام مطلقاً؟ الطرق الصوفية”.. وحتى لا نتهم بالمبالغة أو التجني على الرجل، سيقتصر دورنا في هذا التقرير على نقل نص بعض فتاوى المفتي، مثيرين حولها تساؤلات ضمنية، ومحذرين من الخطر،مع العلم أننا سنورد بعض الأمثلة فقط للتدليل، تاركين التعامل مع نص الفتاوى بالكامل للمتخصصين من علماء الأمة الصادقين.. مع ملاحظة أننا اضطررنا للاختصار لضيق المساحة، ومع احتفاظنا بنسخة من الكتاب ونص الفتاوى الممهورة بخاتم الدولة الرسمي لمن أراد الاطلاع عليها من أهل العلم.. وقد اكتفينا بذكر سبع من هذه الفتاوى للتدليل ولفت الانتباه فقط، وما خفي أعظم، وإلى الله _سبحانه وتعالى_ وحده المشتكى:
السؤال الأول: هل عبارة “لولا سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ ما خلق الله الخلق” صحيحة المعنى ولا تتعارض مع أصول الدين وأساسيات الاعتقاد الصحيح؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. تلك العبارة منسجمة تمام الانسجام مع أصول التشريع الإسلامي”.
السؤال الثاني: هل يمكن فعلا رؤية النبي _صلى الله عليه وسلم_ أثناء اليقظة، وما حقيقة هذا الأمر؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. رؤية الصالحين للنبي _صلى الله عليه وسلم_ في اليقظة قد تحدث، ولا يوجد مانع عقلي أو شرعي يمنعها، ولكن هذا باب عزيز ليس مفتوحا لكل أحد، وينبغي على من رآه ألا يحدِّث من لا طاقة له بهذا.. فمخاطبة الناس بما يعقلون أولى(!!)”.
السؤال الثالث: تحتفل الأمة الإسلامية كل عام بالمولد النبوي الشريف، ونرى من يعترض على ذلك الاحتفال، ويقولون إنه بدعة، فما حقيقة ذلك؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..نرى استحباب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف موافقة للأمة والعلماء… ولا عبرة بمن شذ عن هذا الإجماع العملي للأمة وأقوال هؤلاء الأئمة”.
السؤال الرابع: هل يجوز التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ في الدعاء بعد انتقاله؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة وغيرها على جواز واستحباب التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ في حياته وبعد انتقاله (لاحظ استخدام لفظ “انتقاله” بدلاً من “موته”)، وما نراه أن التوسل بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ مستحب، وأحد صيغ الدعاء إلى الله _عز وجل_ المندوب إليها، ولا عبرة لمن شذ عن إجماع العلماء كابن تيمية ومن ردد كلامه من بعده!”.
السؤال الخامس: ما حكم الحلف بغير الله، وهل الترجي بسيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وآل البيت والكعبة والمصحف، كأن يقول الإنسان مثلا:”والنبي تعمل كذا، وسيدنا الحسين وغلاوته عندك” والمقصود الترجي وليس القسم، هل يعد ذلك شركا؟ حيث يفاجأ الإنسان إذا قال ذلك بمن يقول له: هذا حرام، هذا شرك، قل: لا إله إلا الله.
نص جواب الدكتور علي جمعة: “..أما الحلف بما هو معظّم في الشرع كالنبي والإسلام والكعبة فلا مشابهة فيه لحلف المشركين بوجه من الوجوه..(زعم المفتي في نص هذه الفتوى أن الإمام أحمد أجاز ذلك في أحد قوليه!!).. أما عن الترجي أو تأكيد الكلام بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ أو بغيره مما لا يقصد به حقيقة الحلف فغير داخل في النهي أصلا، بل هو أمر جائز لا حرج فيه حيث ورد في كلام النبي _صلى الله عليه وسلم_ وكلام الصحابة الكرام (!!)”.
السؤال السادس: .. هل يجوز شد الرحال بقصد زيارة قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقبور الصالحين؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. شد الرحال لزيارة قبر النبي _صلى الله عليه وسلم_ مستحب؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لتحصيل المستحب وهو الزيارة، وكذلك شد الرحال لزيارة قبور الصالحين والأقارب مستحب لأنه وسيلته، وشد الرحال للأمور المباحة مباح”.
السؤال السابع: ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟ وهل يعدّ ذلك من قبيل اتخاذ القبر مسجدا؟
نص جواب الدكتور علي جمعة: “.. قضية المساجد التي بها قبور قضية فقهية فرعية، استغلها الجهال ومبتغو الفتنة أسوأ استغلال (!)…فبيان حكم الصلاة بالمسجد الذي به ضريح يكون إذا كان القبر في مكان منعزل عن المسجد، أي لا يصلى فيه فالصلاة صحيحة، ولا حرمة ولا كراهة فيها، أما إذا كان القبر في داخل المسجد فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب الإمام أحمد، جائزة وصحيحة عند الأئمة الثلاثة”.
..هذه فقط بعض النماذج، فهل آن الأوان لبيان حقيقة الرجل للناس!