قد يستغرب بعض الناس كيف يكون الصائم مفطراً, والصيام والفطر لا يجتمعان لدى شخص واحد في وقت واحد.
والحق أنه لا غرابة في هذا الاجتماع, فهذا الصنف موجود في الناس, وقد نبهنا إليه صاحب الرسالة _صلى الله عليه وسلم_ فهم الذين يصومون عن الطعام والشراب والشهوة الجنسية, ولا يتعدى صيامهم هذا الحد, ولكنهم لا يصونون ألسنتهم عن الكذب والغيبة والنميمة واللغو الفارغ والجهر بالسوء من القول, ولا يغضون أبصارهم عن الحرام ولا عن تتبع عورات المسلمين وإشاعتها بين الناس, ولا يتورعون عن سماع فحش الكلام وما يغضب الله, بل يستلذون ذلك بحجة تسلية الصيام, ولا يتوقفون عن السعي في الباطل سعياً على أقدامهم وبطشاً بأيديهم, ويتراخون في تأدية ما عليهم من واجبات وتعطيل مصالح الناس, وهم يتعاطون على ذلك أجوراً, ولا عن الغش والخداع إن كانوا تجاراً أو صناعاً.
نعم إن هؤلاء صائمون مفطرون؛ لأن الصيام ليس هو الإمساك عن المفطرات المادية, بل هو صيام الجوارح كلها عن المعاصي: البصر واللسان والأنف والأذن واليد والرجل والقلب والفكر, لذلك قال _صلى الله عليه وسلم_:”من لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”, وهذا الحديث فيه إشارة واضحة لعدم الاعتداد الله بصيام هذا الفريق من الناس, لأن الصيام منهج تربوي سلوكي كامل, والله غني عن صيام هؤلاء المفطرين على المعاصي ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما يقول _صلى الله عليه وسلم_ لا: “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش” يعني لا أجر له عند الله, وهو يقصد هؤلاء الصائمين المفطرين. فلنتق الله في صيامنا, ولنصم عن المعاصي كما نصوم عن الطعام والشراب والمنكح, ولتصم معنا كل جوارحنا, حتى الفكر ينبغي أن يكون بعيداً عما يغضب الله _عز وجل_.
ولنكن ونحن صائمون مصدر خير للناس جميعاً, نعاملهم بالأخلاق الحسنة ونتجاوز عن هفواتهم ونحسن إلى مسيئهم ونعين محتاجهم ونرد ضالهم ونرحم ضعفائهم ونوقر كبارهم ونرفق بصغيرهم, سمحاء كرماء, ولنعلم أن إدخال السرور على الناس من أحب الأعمال عند الله, وفي ذلك يقول _صلى الله عليه وسلم_:”خير الناس أنفعهم للناس”.