تبدو الطريق ليست يسيرة إلى التعامل مع هكذا حقيقة لا نريد أن نصدقها ولا نتخيلها , لكنها أضحت من مفرزات زمن الاستسلام والتراجع , إنها الممارسة العملية لقرار ربما لم يتخذ حقيقة لكنه عملياً قد أضحى على الأقل عرفاً متبعاً له من حيث النتيجة قوة القرار السري أو العلني .. لا فارق كبيرا بين هذا وذاك.
بكل بساطة وصراحة جارحة , لقد جرى العرف الآن بأن لا حق للقبطي أن يغير دينه في مصر التي فتحها عمرو العاص وصيرها أنموذجاً لحرية الاعتقاد , فالطريق إلى الإسلام صارت مثل الطريق إليه كذلك إبان حكم “ديسيوس” الذي اضطهد الأقباط من أتباع الكنيسة قبل 17 قرناً من الزمان.
في بلد الأزهر وفي عنوان الإسلام وشاراته العلمية , صار اعتناق الإسلام لدى الأقباط أشبه بعملية استشهادية. ربما الأزهر بمشيخته العريقة وعلى رأسها محمد سيد طنطاوي ترنو إلى قصر اعتناق الإسلام على أولئك الخلص الذين لا ترهبهم معتقلات جوانتنامو في الأديرة القبطية !! ربما الأزهر لا يريده إلا لأرباب العزائم وعناوين البطولة ..
ربما لكن هذه الإرادة الأزهرية يضج منها الصالحون وتتفطر لها القلوب المؤمنة وتتزاحم في نقدها الأقلام المخلصة وترتفع لها أيدي المظلومات في جوانتنامو مصر : ماريان , تيريزا , وفاء , ماري , وأخيراً أميرة وغيرهن ممن لا يعلمهن إلا عالم السر وأخفى..
طبيبتان أسلمتا (ماريان ـ تيريزا) فأسلمتهما الشرطة لأهلهما , وبدورهم إلى الأديرة بعد أن اعترف قس الفيوم بأنهما “تحت السيطرة” هكذا بهذا اللفظ الذي تناقلته العديد من الصحف المصرية , لاسيما صحيفة الأسبوع القريبة من بعض أقطاب الحكم المصري , حلقت لهما شعورهما بادي الأمر ثم يعلم الله ما يمارس ضدهما الآن “لإقناعهما”.
زوجتا قسيسين أسلمتا , لجأتا للأزهر قبلهما فكانت النتيجة واحدة , فهاهو “العرف” الجديد يفضي بهن جميعاً إلى القرار بين جدران الأديرة العالية.
ما الجريرة التي ارتكبتها هؤلاء النسوة حتى يحملن على أدهم الأديرة ؟ أين شرف الرجال المسلمين إذا كانت القضية تزوى بملفها المتخم بالضيم المثقل بالجراح بهكذا سهولة وذاك اليسر؟
أين الأزهر الإرادة ضد الاحتلال ؟ أين الأزهر الحامي لحمى الإسلام في مصر ؟ أيناكم علماء مصر ؟ أين منكم الحديث على أعواد المنابر , في بياناتكم ومقالاتكم بالصحف؟ أستعرض صفحات الجرائد فلا أسمع لكم صوتاً , لا يقابلني فيها إلا القساوسة وبعض المفكرين المتطوعين , أما حماة الشريعة فلا أراهم , لا أسكت الله لكم صوتاً بالحق صادحاً .. ألا ليت شعري أين ذهب العزم منكم .. لله أنتم , أما من سبيل لأن تقولوا للخاطفين لا تخطفوا فتيات الإسلام .. أليس من سبيل سوى صمت القبور هذا ؟!
فعاليات وأصوات كثيرة تصدح بالإسلام في مناحٍ عديدة غابت عن هذه المحنة التي تعرضت لها نسوة رضين بالله رباً وبالإسلام ديناًَ , وأكرهن على إخفائه.
فقط بيانات يتيمة بثتها اللجنة المصرية للدفاع عن حرية العقيدة أو لمناهضة الاضطهاد الديني , لا نلمز المطوعين من المؤمنين والذين لا يجدون إلا جهدهم , نشد على أيديهم , ولا نستقل عملهم المبارك ولكن نستقل جهد غيرهم ممن آتاهم الله الحجة وشبكات التأثير وهوامش التحرك الواسعة فلم يشغلوها وتركوها خاوية إلا من لاعبي النار ومؤججي الفتن.
جرح في قلب مصر , أدماها وليس الإلحاح في الحديث عنه من قبيل استيلاد الفتن , ولا هو من قبيل السذاجة في التعرض لقضايا قد تنفخ فيها قوى الظلام الصهيونية كما تنفخ في لبنان وغير لبنان من أجل أن توجد ذرائع تدخلها , إذ ليس معنى دفع الفتن ووأد المؤامرات في مهدها السكوت على ظاهرة باتت تهدد حرية العقيدة التي جاء الإسلام فأتاحها لكل أهل الكتاب :” وقل الحق من ربكم , فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر” , “من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه , ومن ضل فإنما يضل عليها” , تلكم الحرية التي كفلها الدين القويم للناس فأتت الأحداث الأخيرة فقيدتها ضد المسلمين , وبات أي قبطي يريد الآن أن يختار دينه في بلد الإسلام بحاجة إلى أن يغادر إلى أي دولة غربية ـ لاسيما أمريكا ـ حتى يصبح مصان الاعتقاد حر اعتناقه !!
معاذ الله أن نثير فتنة , لا بل نسعى لدفعها لأن هذه الأحداث تسير الآن باتجاه خطير , يضغط المراجل حتى قوة احتمالها ولا يترك مجالاً لتسريبها ؛ ما ينذر بعواقب لا يريد أحد من العقلاء أيا كان دينه أن تسير الأمور حثيثاً باتجاهها المريع , فالجروح المنغلقة على القروح تؤذن بأن تنفجر ثآليلها , وقد تجري حادثة بسيطة بالأحداث مجرى العظائم ولن يكون بالإمكان ثمة وقت لدرسها وتحليلها ومن ثم تجنبها حين تقع.
من المستفيد إذن من حدوث ذلك حين يحدث ؟ أليس الكيان الصهيوني المتربص بهذه الأمة وثوابتها , الناعمة لقرون بهدوئها الطائفي , هذا العدو الذي ما فتئ يدعي على القبائل المسيحية الإفريقية الاضطهاد ثم يطرح الحل عليها بالهجرة إلى أرضه المزعومة..
أليس المستفيد من يقدح زناد الفتنة حين يرسل عبر هذه الأحداث رسالة يريد بها أن يقول إن الإسلام مضطهد في أرضه ؟!
إن رسالة كهذه إذا ما رسخت بأذهان المسلمين المصريين وغير المصريين كفيلة بأن تهدد سلاماً اجتماعياً ظلت مصر لعقود طويلة حريصة على عدم المساس به ..
في هذا الظرف الدولي والإقليمي العصيب , وتراكم الضغوط واللعب بأوراق الضغط الطائفية لا يريد أي عاقل للفتنة الطائفية أن تنبجس فتغرق التربة المصرية في وقت هي فيه أحوج ما تكون إلى الهدوء والاستقرار , وليس وأد هذه الفتنة بالخضوع للابتزاز ولا بخياطة الجروح على القروح ..
Hijri Date Correction:
1