انتهت المحاولة الأمريكية لإضفاء الشرعية علي الاحتلال وتشكيلات عملائه والمتعاونون معه والمشاركين له, من الداخل ومن القوى الإقليمية والدولية, دون تحقيق الحد الأدنى المطلوب من المكاسب.. وبكثير من الخسائر.
فاللعبة التي أريد لها أن تتم كل مراحل إعدادها وتنفيذها وتصويرها وإعادة تركيب صورها داخل المنطقة الخضراء, لتعطي النتائج المطلوبة علي مجمل أرض الرافدين, لم تستطع أن تضم أي لاعب جديد. بل أنها أسقطت ما كان متبقيا من أقنعة خادعة عن وجوه بعض اللاعبين الأساسيين في الفريق الأمريكي, ولم تعزل قوى المقاومة أو تنزع عنها الشرعية لصالح الفريق المضاد, بل أكدت أن الشرعية الوحيدة علي الأرض هي للمقاومة.
فمن فازوا في صناديق الاقتراع الأمريكية لا يمكنهم ترجمة عدد الأصوات التي أعلنوها إلي سلطة علي الأرض, بل أنهم لا يستطيعون مغادرة منازلهم أو المنطقة الخضراء دون حراسة مشددة.
فقد أتت الانتخابات بنفس الوجوه والأسماء التي نصبها الاحتلال منذ بدايته في كل تشكيلاته علي اختلاف أسمائها من الانتقالي إلي المؤقت, ومن المستقل إلي الوطني, وبالتالي.. فهي تأتي بنفس عورات التشكيلات السابقة من نقص شرعيتها الشعبية والدستورية, وضعفها, وجيشها الفاقد للهوية والعقيدة رديء التدريب, وفساد إداراتها وموظفوها, وقوات أمنها المندحرة المهزومة. إضافة إلي أن الحليف الخارجي قد ضاق صبره جدا ويتعجل الحصول علي مخرج مناسب, أيا كان من سيأتي علي حسابه.
ولم تسفر الانتخابات عن العراق النموذج المطلوب كقاعدة انطلاق أمريكية لتعميمه علي دول المنطقة المستهدفة, بل أنتجت كيانا يحمل في أحشائه فتيل انفجاره (والذي قد يستخدم كغطاء أخير للخروج من ورطة العراق), كما وأنها أعطت للقوى الإقليمية والدولية التي تتعارض جداول أعمالها مع جدول الأعمال الأمريكي مساحات متفاوتة من الأراضي التي يمكن التحرك عليها في الساحة العراقية, الأمر الذي يمثل تهديدا لبعض القوى الأساسية في الحسابات الأمريكية الاستراتيجية للمنطقة, كما قد يمثل مخاطر إقليمية واسعة التأثير علي القوى الإقليمية ونفوذ القوى الدولية في المنطقة كلها.
الأبعاد الجيوسياسية للانتخابات “الأمريعراقية”..
بالرغم من تصدر صورة “رامبو” الأمريكي للافتات فيلم الانتخابات “الأمريعراقية”, إلا أن الأدوار داخل اللعبة قد اتسعت لكل اللاعبين الإقليميين والدوليين, وكذلك الطائفيين والمذهبيين والعرقيين, وهم كما أسلفنا اللاعبون الذين فرضت المقاومة علي السياسة الأمريكية أن تستعين بهم بعد فشل كل توقعاتها, كما فرضتهم المقاطعة التي فرضتها المقاومة والقطاعات الداعمة لها من مختلف الطوائف والعشائر..
وقد لعب كل طرف من الأطراف سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية الدور الذي أراده وفق جدول أعماله وارتباطاته الداخلية والخارجية, دون وجود لتصور حاكم لحركة اللاعبين أو خط جامع للتطورات في سيناريو الأحداث, فجاءت النتائج لتؤكد علي الخلافات في جداول أعمال أعضاء القائمة الواحدة, ولتنبىء عن الانفجار الوشيك بين أصحاب القوائم, ولتثبت أن المقاومة هي الطريق الوحيد الممكن للجمع بين قطع “البازل” العراقي, لتكوين صورة العراق المسلم العربي المستقل الكافل لجميع حقوق أبنائه من كافة الأعراق والمذاهب والديانات.
وبعيدا عن الكلام المكرر للمخالفات والتزوير ونقل الناخبين, أو عدم السماح أو السماح بتسجيل الناخبين, أو حتى السماح بدخول جماعات بالآلاف لا يحملون الجنسية العراقية أصلا ليمارسوا الانتخابات في بعض المناطق ولصالح بعض التيارات.. نقول بعيدا عن ذلك لأن المقصود من الانتخابات لم يكن قيام الشعب العراقي بالتعبير عن إرادته سواء حدثت هذه التجاوزات أو لم تحدث, بل إن الهدف منها كان وسيظل في الانتخابات التي ستجري تحت سيطرة الاحتلال هو كسر إرادة هذا الشعب في التحرر من الاحتلال, ولذلك فرصد درجة المخالفة لا يعنينا, ولكن ما يهمنا هو وضعها في مكانها الصحيح من التحليل كأحد أدوات التدخل للقوى الإقليمية والدولية من ناحية, وكدلالة علي ترهل القبضة الأمريكية المنفردة ووجود فراغات واسعة تسمح لقوى عديدة بأن تدلوا بدلوها في لعبة الهيمنة من ناحية أخرى, وأن تجلس بالتالي علي مائدة اللئام لتحصل علي نصيبها في سايكس/ بيكو الجديدة, والتي ستطال بالضرورة دولا أخرى في المنطقة كسوريا والأردن ولبنان وفلسطين وإيران والسعودية وإمارات وممالك الخليج العربي, وقبل ذلك “لبننة” الحالة العراقية وهو ما بدأ يتضح من مطالب أطراف الحلف الموالي للاحتلال الأمريكي في تكوين هرم السلطة علي أساس طائفي وعرقي, وفي مطالبة الأكراد بالحفاظ علي وضع المنطقة الكردية المستقل عن الإدارة المركزية, تحت الحماية الأمريكية منذ 13 عام, وإشارات بعض القيادات الشيعية عن دولة شيعية في العراق, واعتراضات تركيا علي التعسف والمنع الذي مورس ضد التركمان في المناطق الكردية..
وقبل ذلك ما حدث من تمويل كثيف من كل طرف في القوى الإقليمية للجماعة أو الحزب أو الطائفة التي تلعب لصالحه, والذي قدر بالمليارات وليس بالملايين, أما علي الساحة الدولية, ففرنسا وأمريكا في طريقهما لوضع ملف الشام علي طاولة التداول, وتركيا بعد أن فقدت أوراقا كثيرة منذ بدء الهجوم الأمريكي, تحاول استعادة بعض الأوراق, والاتحاد الأوروبي يعد ملف الطاقة لطرحه علي طاولة المقايضة مع الملف النووي الإيراني, أما الكيان الصهيوني فيمارس أعنف الضغوط للانتهاء من الملف الفلسطيني بسرعة وفي وجود القوات الأمريكية في العراق, للانتقال إلي الملفين السوري واللبناني.
سايكس/ بيكو جديدة في الأفق
مع تبعثر حبات “الموزاييك” العراقي تتجمع في أفق المنطقة ملامح سيناريو التفتيت والتوزيع الجديد, والذي يمثل بالنسبة لأطرافه حالة يمكن الاستقرار عليها في المدى المتوسط, كتعبير مناسب لموازين القوى والمصالح الدولية, سواء الجيوستراتيجية أو الاقتصادية, خاصة بعد ثبوت فشل نظرية القوة الأمريكية في حسم قضية الانفراد بقيادة العالم, كما يمثل لبعض القوى الإقليمية فرصة مناسبة لتحقيق مشاريعها المذهبية أو العرقية, وهو ما يتقاطع “مؤقتا” مع المخطط الاستعماري الأمريكي الصهيوني من جهة والأوروبي من جهة أخرى, ويتعارض في نفس الوقت مع بعض أولويات جداول أعمال القوى العرقية والمذهبية التي تتعارض هي الأخرى مع بعضها البعض.
أمريكا.. وأوروبا
لا شك أن أعطابا كثيرة قد أصابت المخطط الأمريكي للانفراد بالهيمنة علي منطقة الخليج والهلال الخصيب, وقد تناسبت هذه الأعطاب مع الخسائر والإخفاقات التي منيت بها الآلة العسكرية الأمريكية علي يد المجاهدين في العراق, ولاح للأوروبيين مجددا أمل تعديل خارطة الهيمنة والنفوذ الاستعماري “خاصة الفرنسيين في الشام”, لاستعادة التوازن في مصالح الدول الكبرى السياسية والاقتصادية, ومع تضخم دور الشيعة في العراق بعد الانتخابات, وخاصة في الفصيلين الشيعيين وثيقي الصلة بإيران, وتوجه إيران لتطوير قدراتها العسكرية غير التقليدية, بالإضافة لحالة الإنهاك الأمريكي العسكرية والاقتصادية, والعزلة السياسية الأمريكية علي الساحة العالمية, تكاملت الشروط لدخول دول أوروبا المحورية كشريك في لعبة التجزئة والنفوذ بمقايضة الموقف الأوروبي من الملف النووي الإيراني بالمصالح الفرنسية في سوريا ولبنان, وتعظيم الدور الأوروبي في تركيا المرشحة للانضمام للاتحاد بحيث لا تصبح حصان طروادة الأمريكي, وعلي ما يثيره ذلك من مخاوف لدى الكيان الصهيوني إلا أن التسوية تتضمن دورا أوروبيا للضغط علي الأطراف العربية والفلسطينية والسورية واللبنانية خصوصا, للاستجابة لأجندة الأمن الصهيونية, وكذلك الأجندة الاقتصادية وإعطاء الكيان الصهيوني دورا متميزا في المناطق الكردية العراقية, وتخطو بريطانيا بهدوء لتعظيم دورها في العراق, وحصتها في التركة العراقية (والملاحظ هنا أنها عودة إلي مناطق النفوذ القديمة في سايكس بيكو).
وقد تولت بريطانيا الأكراد بالرعاية في الانتخابات جنبا إلي جنب مع الأمريكيين بحيث وصفت الانتخابات التي جرت في بريطانيا بالكردية وليس بالعراقية, وكتب الناخبون فيها أمام خانة الموطن أو الجنسية كلمة كردستان بدلا من العراق, والبريطانيون يدعمون المطلب الكردي بتغيير التركيب الديموجرافي لكركوك وضمها إلي منطقة الحكم الذاتي الكردية.
أما علي صعيد القوى الإقليمية والطائفية أو العرقية المحلية, فالتناقضات أقصر مدى, وعناصر التصادم أقرب وأحد, فما بين الكيان الكردي الذي يمثل نواة الدولة الكردية, وقاعدة انطلاق لحركات المعارضة الكردية وبين تركيا و سوريا و إيران, أو بين السلطة الشيعية والتي فتحت الآمال مجددا لحلم الدولة الشيعية الكبرى في الخليج, ودول السعودية والإمارات والسلطنات والممالك في المنطقة, أو بين الأكراد والشيعة داخل العراق والذين يسعى كل منهما لتحقيق أكبر وجود في السلطة لخدمة أهدافه.
علي كل هذه الجبهات, وعلي حد سواء, زادت تعقيدات إيجاد حلول توفيقية إن لم تكن قد أصبحت مستحيلة, وهو ما ينعكس علي إمكانية توفيق المصالح للشركاء الكبار سواء الأمريكيين أو الأوروبيين.
إن التحالفات في معسكر الأعداء والعملاء, والتحالفات المبنية علي ضيق مجال النظر, وعلي أسس طائفية أو عرقية, هي تحالفات تحمل في أحشائها عناصر تفجرها.
الخاسرون.. والفائزون في الانتخابات العراقية
لقد مثلت لعبة الانتخابات “الأمريعراقية” فيصلا استراتيجيا بين خيارين ليس للعراق فقط, ولكن لشعوب ودول المنطقة في مجملها.. خيار الخضوع للهيمنة وإعادة صياغة الهوية والعقيدة والحدود وفق مصالح الدول الكبرى.. وخيار المقاومة والتمسك بالهوية والعقيدة ومصالح الأمة بعيدا عن الخلافات المذهبية الجزئية أو العرقية المقيتة.
وقد نجحت المقاومة في كشف كل الأيادي الممسكة بيد أعداء الأمة تحت منديل الزواج غير المقدس, كما نجحت في أن تصبح الممثل الوحيد الشرعي للشعب العراقي في جهاده المتصاعد للحرية والتقدم, وسوف تنعكس آثار هذا النجاح الذي عرى عورات كثيرة, ليس فقط علي مسيرة العراق بعد الانتخابات, وعلي حركة جماهير المذاهب والأعراق المختلفة في الداخل, ولكن أيضا, سينعكس نجاحها علي مجمل التشكيلة الإقليمية وفي داخل كل قوة علي حدي, ناهيك عن أثرها السلبي الأكيد علي مجمل مخططات سايكس/ بيكو الجديدة في المنطقة.
فاللعبة التي أريد لها أن تتم كل مراحل إعدادها وتنفيذها وتصويرها وإعادة تركيب صورها داخل المنطقة الخضراء, لتعطي النتائج المطلوبة علي مجمل أرض الرافدين, لم تستطع أن تضم أي لاعب جديد. بل أنها أسقطت ما كان متبقيا من أقنعة خادعة عن وجوه بعض اللاعبين الأساسيين في الفريق الأمريكي, ولم تعزل قوى المقاومة أو تنزع عنها الشرعية لصالح الفريق المضاد, بل أكدت أن الشرعية الوحيدة علي الأرض هي للمقاومة.
فمن فازوا في صناديق الاقتراع الأمريكية لا يمكنهم ترجمة عدد الأصوات التي أعلنوها إلي سلطة علي الأرض, بل أنهم لا يستطيعون مغادرة منازلهم أو المنطقة الخضراء دون حراسة مشددة.
فقد أتت الانتخابات بنفس الوجوه والأسماء التي نصبها الاحتلال منذ بدايته في كل تشكيلاته علي اختلاف أسمائها من الانتقالي إلي المؤقت, ومن المستقل إلي الوطني, وبالتالي.. فهي تأتي بنفس عورات التشكيلات السابقة من نقص شرعيتها الشعبية والدستورية, وضعفها, وجيشها الفاقد للهوية والعقيدة رديء التدريب, وفساد إداراتها وموظفوها, وقوات أمنها المندحرة المهزومة. إضافة إلي أن الحليف الخارجي قد ضاق صبره جدا ويتعجل الحصول علي مخرج مناسب, أيا كان من سيأتي علي حسابه.
ولم تسفر الانتخابات عن العراق النموذج المطلوب كقاعدة انطلاق أمريكية لتعميمه علي دول المنطقة المستهدفة, بل أنتجت كيانا يحمل في أحشائه فتيل انفجاره (والذي قد يستخدم كغطاء أخير للخروج من ورطة العراق), كما وأنها أعطت للقوى الإقليمية والدولية التي تتعارض جداول أعمالها مع جدول الأعمال الأمريكي مساحات متفاوتة من الأراضي التي يمكن التحرك عليها في الساحة العراقية, الأمر الذي يمثل تهديدا لبعض القوى الأساسية في الحسابات الأمريكية الاستراتيجية للمنطقة, كما قد يمثل مخاطر إقليمية واسعة التأثير علي القوى الإقليمية ونفوذ القوى الدولية في المنطقة كلها.
الأبعاد الجيوسياسية للانتخابات “الأمريعراقية”..
بالرغم من تصدر صورة “رامبو” الأمريكي للافتات فيلم الانتخابات “الأمريعراقية”, إلا أن الأدوار داخل اللعبة قد اتسعت لكل اللاعبين الإقليميين والدوليين, وكذلك الطائفيين والمذهبيين والعرقيين, وهم كما أسلفنا اللاعبون الذين فرضت المقاومة علي السياسة الأمريكية أن تستعين بهم بعد فشل كل توقعاتها, كما فرضتهم المقاطعة التي فرضتها المقاومة والقطاعات الداعمة لها من مختلف الطوائف والعشائر..
وقد لعب كل طرف من الأطراف سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية الدور الذي أراده وفق جدول أعماله وارتباطاته الداخلية والخارجية, دون وجود لتصور حاكم لحركة اللاعبين أو خط جامع للتطورات في سيناريو الأحداث, فجاءت النتائج لتؤكد علي الخلافات في جداول أعمال أعضاء القائمة الواحدة, ولتنبىء عن الانفجار الوشيك بين أصحاب القوائم, ولتثبت أن المقاومة هي الطريق الوحيد الممكن للجمع بين قطع “البازل” العراقي, لتكوين صورة العراق المسلم العربي المستقل الكافل لجميع حقوق أبنائه من كافة الأعراق والمذاهب والديانات.
وبعيدا عن الكلام المكرر للمخالفات والتزوير ونقل الناخبين, أو عدم السماح أو السماح بتسجيل الناخبين, أو حتى السماح بدخول جماعات بالآلاف لا يحملون الجنسية العراقية أصلا ليمارسوا الانتخابات في بعض المناطق ولصالح بعض التيارات.. نقول بعيدا عن ذلك لأن المقصود من الانتخابات لم يكن قيام الشعب العراقي بالتعبير عن إرادته سواء حدثت هذه التجاوزات أو لم تحدث, بل إن الهدف منها كان وسيظل في الانتخابات التي ستجري تحت سيطرة الاحتلال هو كسر إرادة هذا الشعب في التحرر من الاحتلال, ولذلك فرصد درجة المخالفة لا يعنينا, ولكن ما يهمنا هو وضعها في مكانها الصحيح من التحليل كأحد أدوات التدخل للقوى الإقليمية والدولية من ناحية, وكدلالة علي ترهل القبضة الأمريكية المنفردة ووجود فراغات واسعة تسمح لقوى عديدة بأن تدلوا بدلوها في لعبة الهيمنة من ناحية أخرى, وأن تجلس بالتالي علي مائدة اللئام لتحصل علي نصيبها في سايكس/ بيكو الجديدة, والتي ستطال بالضرورة دولا أخرى في المنطقة كسوريا والأردن ولبنان وفلسطين وإيران والسعودية وإمارات وممالك الخليج العربي, وقبل ذلك “لبننة” الحالة العراقية وهو ما بدأ يتضح من مطالب أطراف الحلف الموالي للاحتلال الأمريكي في تكوين هرم السلطة علي أساس طائفي وعرقي, وفي مطالبة الأكراد بالحفاظ علي وضع المنطقة الكردية المستقل عن الإدارة المركزية, تحت الحماية الأمريكية منذ 13 عام, وإشارات بعض القيادات الشيعية عن دولة شيعية في العراق, واعتراضات تركيا علي التعسف والمنع الذي مورس ضد التركمان في المناطق الكردية..
وقبل ذلك ما حدث من تمويل كثيف من كل طرف في القوى الإقليمية للجماعة أو الحزب أو الطائفة التي تلعب لصالحه, والذي قدر بالمليارات وليس بالملايين, أما علي الساحة الدولية, ففرنسا وأمريكا في طريقهما لوضع ملف الشام علي طاولة التداول, وتركيا بعد أن فقدت أوراقا كثيرة منذ بدء الهجوم الأمريكي, تحاول استعادة بعض الأوراق, والاتحاد الأوروبي يعد ملف الطاقة لطرحه علي طاولة المقايضة مع الملف النووي الإيراني, أما الكيان الصهيوني فيمارس أعنف الضغوط للانتهاء من الملف الفلسطيني بسرعة وفي وجود القوات الأمريكية في العراق, للانتقال إلي الملفين السوري واللبناني.
سايكس/ بيكو جديدة في الأفق
مع تبعثر حبات “الموزاييك” العراقي تتجمع في أفق المنطقة ملامح سيناريو التفتيت والتوزيع الجديد, والذي يمثل بالنسبة لأطرافه حالة يمكن الاستقرار عليها في المدى المتوسط, كتعبير مناسب لموازين القوى والمصالح الدولية, سواء الجيوستراتيجية أو الاقتصادية, خاصة بعد ثبوت فشل نظرية القوة الأمريكية في حسم قضية الانفراد بقيادة العالم, كما يمثل لبعض القوى الإقليمية فرصة مناسبة لتحقيق مشاريعها المذهبية أو العرقية, وهو ما يتقاطع “مؤقتا” مع المخطط الاستعماري الأمريكي الصهيوني من جهة والأوروبي من جهة أخرى, ويتعارض في نفس الوقت مع بعض أولويات جداول أعمال القوى العرقية والمذهبية التي تتعارض هي الأخرى مع بعضها البعض.
أمريكا.. وأوروبا
لا شك أن أعطابا كثيرة قد أصابت المخطط الأمريكي للانفراد بالهيمنة علي منطقة الخليج والهلال الخصيب, وقد تناسبت هذه الأعطاب مع الخسائر والإخفاقات التي منيت بها الآلة العسكرية الأمريكية علي يد المجاهدين في العراق, ولاح للأوروبيين مجددا أمل تعديل خارطة الهيمنة والنفوذ الاستعماري “خاصة الفرنسيين في الشام”, لاستعادة التوازن في مصالح الدول الكبرى السياسية والاقتصادية, ومع تضخم دور الشيعة في العراق بعد الانتخابات, وخاصة في الفصيلين الشيعيين وثيقي الصلة بإيران, وتوجه إيران لتطوير قدراتها العسكرية غير التقليدية, بالإضافة لحالة الإنهاك الأمريكي العسكرية والاقتصادية, والعزلة السياسية الأمريكية علي الساحة العالمية, تكاملت الشروط لدخول دول أوروبا المحورية كشريك في لعبة التجزئة والنفوذ بمقايضة الموقف الأوروبي من الملف النووي الإيراني بالمصالح الفرنسية في سوريا ولبنان, وتعظيم الدور الأوروبي في تركيا المرشحة للانضمام للاتحاد بحيث لا تصبح حصان طروادة الأمريكي, وعلي ما يثيره ذلك من مخاوف لدى الكيان الصهيوني إلا أن التسوية تتضمن دورا أوروبيا للضغط علي الأطراف العربية والفلسطينية والسورية واللبنانية خصوصا, للاستجابة لأجندة الأمن الصهيونية, وكذلك الأجندة الاقتصادية وإعطاء الكيان الصهيوني دورا متميزا في المناطق الكردية العراقية, وتخطو بريطانيا بهدوء لتعظيم دورها في العراق, وحصتها في التركة العراقية (والملاحظ هنا أنها عودة إلي مناطق النفوذ القديمة في سايكس بيكو).
وقد تولت بريطانيا الأكراد بالرعاية في الانتخابات جنبا إلي جنب مع الأمريكيين بحيث وصفت الانتخابات التي جرت في بريطانيا بالكردية وليس بالعراقية, وكتب الناخبون فيها أمام خانة الموطن أو الجنسية كلمة كردستان بدلا من العراق, والبريطانيون يدعمون المطلب الكردي بتغيير التركيب الديموجرافي لكركوك وضمها إلي منطقة الحكم الذاتي الكردية.
أما علي صعيد القوى الإقليمية والطائفية أو العرقية المحلية, فالتناقضات أقصر مدى, وعناصر التصادم أقرب وأحد, فما بين الكيان الكردي الذي يمثل نواة الدولة الكردية, وقاعدة انطلاق لحركات المعارضة الكردية وبين تركيا و سوريا و إيران, أو بين السلطة الشيعية والتي فتحت الآمال مجددا لحلم الدولة الشيعية الكبرى في الخليج, ودول السعودية والإمارات والسلطنات والممالك في المنطقة, أو بين الأكراد والشيعة داخل العراق والذين يسعى كل منهما لتحقيق أكبر وجود في السلطة لخدمة أهدافه.
علي كل هذه الجبهات, وعلي حد سواء, زادت تعقيدات إيجاد حلول توفيقية إن لم تكن قد أصبحت مستحيلة, وهو ما ينعكس علي إمكانية توفيق المصالح للشركاء الكبار سواء الأمريكيين أو الأوروبيين.
إن التحالفات في معسكر الأعداء والعملاء, والتحالفات المبنية علي ضيق مجال النظر, وعلي أسس طائفية أو عرقية, هي تحالفات تحمل في أحشائها عناصر تفجرها.
الخاسرون.. والفائزون في الانتخابات العراقية
لقد مثلت لعبة الانتخابات “الأمريعراقية” فيصلا استراتيجيا بين خيارين ليس للعراق فقط, ولكن لشعوب ودول المنطقة في مجملها.. خيار الخضوع للهيمنة وإعادة صياغة الهوية والعقيدة والحدود وفق مصالح الدول الكبرى.. وخيار المقاومة والتمسك بالهوية والعقيدة ومصالح الأمة بعيدا عن الخلافات المذهبية الجزئية أو العرقية المقيتة.
وقد نجحت المقاومة في كشف كل الأيادي الممسكة بيد أعداء الأمة تحت منديل الزواج غير المقدس, كما نجحت في أن تصبح الممثل الوحيد الشرعي للشعب العراقي في جهاده المتصاعد للحرية والتقدم, وسوف تنعكس آثار هذا النجاح الذي عرى عورات كثيرة, ليس فقط علي مسيرة العراق بعد الانتخابات, وعلي حركة جماهير المذاهب والأعراق المختلفة في الداخل, ولكن أيضا, سينعكس نجاحها علي مجمل التشكيلة الإقليمية وفي داخل كل قوة علي حدي, ناهيك عن أثرها السلبي الأكيد علي مجمل مخططات سايكس/ بيكو الجديدة في المنطقة.
Hijri Date Correction:
1