الوعي الإسلامي في حاجة مستمرة تجديد نفسه و التأكيد من الخطوط الرئيسة التي توجهه ، و الاهتمامات الأساسية التي تشغله ، وتستحوذ عليه ، و إلا فمن السهل أن نجد أنفسنا وقد انجرفنا مع النموذج الذي تقدمه العولمة للإنسان المعاصر .
بناء عقلية معاصرة لا يعني تكوين العقلية التي تتفهم مطالب العصر فحسب ، ولكنه يعني أيضاً تكوين العقلية التي ترى مدى الانحراف الذي يتعرض له الإنسان المعاصر ومدى الجور و الحيف الذي يقع على المبادئ و القيم الأساسية .
من الواضح أن أصحاب المؤسسات المالية الكبرى و أصحاب المصانع والشركات يفرضون على العالم من خلال رسائلهم الدعائية الجبارة و النافذة الرؤية التي تخدم مصالحهم و تنمي ثرواتهم .
و تلك الرؤية تقوم على نحو جوهري على حث الناس على المزيد من الاستهلاك وزرع مشاعر العوز والحاجة و الخوف في نفوسهم ، كي يبحثوا دون ملل عن الامتلاء و التشبع المادي الذي لا يتم إلا من خلال جمع المال و اقتناء الأشياء .
هذه الرؤية تخترق حياة الإنسان في الدول الصناعية الأكثر تقدماً نتيجة فلسفة متكاملة تقوم على حذف شيء اسمه العالم الأخروي بما يعنيه ذلك من توجيه أنشطة الحياة كلها نحو تحقيق الذات في الدنيا من خلال المزيد من السيطرة و الشهر و المتعة ، و هذا مصادم على نحو جذري للمنطق الذي قامت علية كل دعوات الأنبياء – عليهم السلام – عبر التاريخ ، ذلك المنطق الذي لا يرى في الدنيا ، وكل ما يتصل بها من نجاح ونفوذ و متعة الشيء الذي يستحق أن يكرس الإنسان حياته من أجله ، فالدنيا هي مزرعة الآخرة ، أو هي الفرصة الذهبية و الوحيدة التي يجب أن نستغلها من أجل السعي إلى الفوز بالسعادة الأبدية في الآخرة .
إن الدنيا في الرؤية الإسلامية تأخذ طابع الوسيلة و طابع المؤقت و العابر ، و الآخرة تأخذ طابع الغاية و النهائي و الدائم ، و النصوص في هذا كثيرة جداً ، منها قول الله – جل وعلا_ : “زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعم و الحرث ذلك متع الحيوة الدنيا و الله عنده حسن المئاب” .
أصحاب المصالح التجارية وأرباب رؤوس الأموال يريدون من كل إنسان أن يزيد في استهلاكه حتى يزيدوا هم في إنتاجهم ، ولذا فإن المبدأ الذي يقوم عليه الإعلان التجاري هو المزيد من الاستهلاك من أجل المزيد من الإنتاج ، أي أن المزيد من الإنتاج صار هو الهدف الذي يجب أن تسخر له كل الإمكانات المعنوية والمادية، وهذا في الحقيقة مباين لجوهر الرؤية التي سادت على مدار التاريخ، والتي كانت أقرب إلى الرؤية الإسلامية، وقد كانت تلك الرؤية تقوم على مبدأ ( الإنتاج من أجل الاستهلاك ) أي أن الإنسان ينتج ليلبي حاجاته الاستهلاكية .
هذا الانقلاب المخيف أدى إلى أن يصبح الإنسان من حيث لا يشعر مسخراً للعمل و زيادة الإنتاج ، وترتب على هذا تراجع الأنشطة الروحية والأدبية التي تميز حياة البشرة عن حياة السوائم الذليلة و عن وضعية الآلة الصماء ، كما ترتب علية تلوث البيئة و إجهاد الأرض و استنفاد سريع لمصادر الطاقة غير المتجددة .
إنها في حقيقة الأمر مأساة كبرى يتعرض لها الإنسان ، ويتعرض لها كوكب الأرض أيضاً .
و إليك بعض الملاحظات المختصرة حول هذه القضية:
1 – نفوسنا مجبولة على حب الدنيا و الاستكثار من متاعها و أشيائها، ومهما نال المرء من المال و ما يشترى بالمال ، فإنه سيظل يشعر بعدم الاكتفاء ، إنه – كما قالوا – كشارب ماء البحر كلما شرب ازداد عطشاً، وقد قال – علية الصلاة والسلام – : ” إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض” قيل : ما بركات الأرض ؟ قال : ” زهرة الدنيا”. وقال منبهاً إلى ما تنطوي عليه ميولنا إلى الدنيا من ابتلاء و تحدًّ : ” إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ” .
هذا المعنى قد غاب عن السواد الأعظم من المسلمين اليوم ، حيث إن من النادر أن تجد من يخاف ألا يقوم بواجب النعمة التي يسعى ليل نهار إلى الحصول عليها ، ومن يشعر أنه من خلال تكديس الأموال و التوسع في امتلاك الأشياء – داخل في امتحان من نوع جديد قد ينجح فيه وقد لا ينجح ، كما أنك لا تكاد تجد من يخطط لإيقاف السعي وراء الدنيا عند حدود معينة حتى لا يؤثر في أنشطته الروحية والتعبدية وفي واجباته الدعوية و الاجتماعية .
2 – الحرية في الرؤية الإسلامية من القيم العظيمة جداً ، وهي لا تعني حرية التعبير وحرية التملك والتنقل فحسب ، وإنما تعني التحرر من وطأة الرغبات و العادات السيئة ووطأة الميول نحو الترفّة و التمتع ، والتحرر من استعباد الذات للشهرة و النفوذ ؛ لأن الانغماس في هذه الأمور يتقاطع مع العبودية الخالصة لله – تعالى – .
إن المسلم حين يستطيع إيقاف رغباته المادية عند حد معين يوفر لنفسه الفرصة لتحقيق الذات عن طريق الرفاهية الروحية و الشعور بنشوة الانتصار و الغلبة ونشوة العبودية لله – تعالى – والثقة بأنه يعمل ما عليه أن يعمله ، مما يولد في النهاية الشعور بالاستمرارية على النهج القويم وتوقع الفوز برضوان الله _تعالى_ .
الوسيلة لذلك هي القناعة و الاقتصاد في الإنفاق و حذف بعض الكماليات ، وغض الطرف عمن يتمتع بمستويات معيشية أعلى .
وقد ورد الثناء على هذه الوضعية في قوله – علية الصلاة والسلام -: ” ليس الغنى من كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس ” . وقوله : ” قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً ، وقنّعه الله بما آتاه ” .
3- زيادة الحاجات المادية وتحول الكثير من الكماليات إلى حاجيات ، وتباري الناس في إظهار القدرة على شراء الأغلى والأنفس ، أوجد لدى الأمة العديد من الأمراض الخلفية و الاجتماعية ، وضخم من المشكلات الاقتصادية والبيئية ، وعلى سبيل التمثيل لا لحصر فإن الشعور بالعوز للمزيد من تكديس الأشياء وتلبية الميول إلى الاستمتاع بالمرفهات من الأمور التي أشاعت في الناس الحسد و التسخط على الله – تعالى – كما أشاعت مرض المظهرية و الشكلية واللذين يُعبّر بهما غالباً عن طريق الأشياء و الممتلكات ، وهذه كلها أمور مقلقة و مزعجة ، كما أنها تدفع إلى الكذب والتباغض والتزوير …
أما على الصعيد الاقتصادي فأمة الإسلام لا تمتلك الكثير من الأموال التي توفر بها حاجاتها الأساسية على مستوى الغذاء والدواء والتعليم … ، وهي إلى جانب هذا تتمتع بزيادة سكانية عالية ، وهي في حاجة – حتى لا تتدهور أوضاع الأجيال الجديدة أكثر فأكثر – إلى إيجاد فرص وظيفية جديدة ، وتلك الفرص لا تأتي إلا من خلال توفير بعض الدخل من أجل إعادة استثمار في دورة اقتصادية جديدة ، و إذا علمنا أن أكثر ما نترفه به يستورد من خارج البلاد الإسلامية أدركنا الخطورة البالغة التي يشكلها التمادي في الإنفاق الترفي على الاقتصادات الوطنية !
4 – أرجو ألا يفهم من الكلام السابق أنني أدعو المسلم الملتزم إلى القعود عن طلب الرزق ، وإلى التكاسل و ترك شأن المال و الاقتصاد و الاستثمار للآخرين يتخذون منه وسائل للسيطرة والإفساد والمزيد من الضياع … إن هذا ليس وارداً، فالمسلم مطالب بأن يؤمن الكفاية لنفسه ولمن يعول ، و إذا استطاع أن يكسب أكثر من حاجته على نية التصدق وصلة الأرحام ، أو على نية توفير فرص عمل جديدة لإخوانه المسلمين ، فإنه بذلك الكسب يخرج من دائرة المباح إلى دائرة العبادة و التقرب إلى الله – تعالي – .
يقول سبحانه – : ” فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ” .
ويقول – عليه الصلاة والسلام – : “لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلاً أغناه الله من فضله فيسأله ، أعطاه أو منعه ” . وقال : ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ” قال أبو هريرة : وأحسبه قال : ” وكالقائم الذي لا يفتر ، وكالصائم الذي لا يفطر “.
إن الإنتاجية لدى الأمة منخفضة إذا ما قيست بالأمم المتقدمة ، ومع هذا الانخفاض فإننا مكبلون بعادات إنفاقية وبذخية ليست موجودة أيضاً لدى عدد كبير من أبناء الأمم الثرية . والنظرية الإسلامية معاكسة تماماً لهذه الوضعية، وتصور معي لو أن مستوى إنتاجية الإنسان المسلم ارتفع ليصل إلى مستوى إنتاجية الإنسان في الغرب في الوقت الذي نقوم فيه بترشيد سلوكنا الإنفاقي ، إن النتيجة ستكون مذهلة لصالح العناصر الضعيفة في المجتمع ، و لصالح الاقتصاد الوطني و صالح مركز الأمة على الصعيد العالمي .
(من كتاب( جدد عقلك
بناء عقلية معاصرة لا يعني تكوين العقلية التي تتفهم مطالب العصر فحسب ، ولكنه يعني أيضاً تكوين العقلية التي ترى مدى الانحراف الذي يتعرض له الإنسان المعاصر ومدى الجور و الحيف الذي يقع على المبادئ و القيم الأساسية .
من الواضح أن أصحاب المؤسسات المالية الكبرى و أصحاب المصانع والشركات يفرضون على العالم من خلال رسائلهم الدعائية الجبارة و النافذة الرؤية التي تخدم مصالحهم و تنمي ثرواتهم .
و تلك الرؤية تقوم على نحو جوهري على حث الناس على المزيد من الاستهلاك وزرع مشاعر العوز والحاجة و الخوف في نفوسهم ، كي يبحثوا دون ملل عن الامتلاء و التشبع المادي الذي لا يتم إلا من خلال جمع المال و اقتناء الأشياء .
هذه الرؤية تخترق حياة الإنسان في الدول الصناعية الأكثر تقدماً نتيجة فلسفة متكاملة تقوم على حذف شيء اسمه العالم الأخروي بما يعنيه ذلك من توجيه أنشطة الحياة كلها نحو تحقيق الذات في الدنيا من خلال المزيد من السيطرة و الشهر و المتعة ، و هذا مصادم على نحو جذري للمنطق الذي قامت علية كل دعوات الأنبياء – عليهم السلام – عبر التاريخ ، ذلك المنطق الذي لا يرى في الدنيا ، وكل ما يتصل بها من نجاح ونفوذ و متعة الشيء الذي يستحق أن يكرس الإنسان حياته من أجله ، فالدنيا هي مزرعة الآخرة ، أو هي الفرصة الذهبية و الوحيدة التي يجب أن نستغلها من أجل السعي إلى الفوز بالسعادة الأبدية في الآخرة .
إن الدنيا في الرؤية الإسلامية تأخذ طابع الوسيلة و طابع المؤقت و العابر ، و الآخرة تأخذ طابع الغاية و النهائي و الدائم ، و النصوص في هذا كثيرة جداً ، منها قول الله – جل وعلا_ : “زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعم و الحرث ذلك متع الحيوة الدنيا و الله عنده حسن المئاب” .
أصحاب المصالح التجارية وأرباب رؤوس الأموال يريدون من كل إنسان أن يزيد في استهلاكه حتى يزيدوا هم في إنتاجهم ، ولذا فإن المبدأ الذي يقوم عليه الإعلان التجاري هو المزيد من الاستهلاك من أجل المزيد من الإنتاج ، أي أن المزيد من الإنتاج صار هو الهدف الذي يجب أن تسخر له كل الإمكانات المعنوية والمادية، وهذا في الحقيقة مباين لجوهر الرؤية التي سادت على مدار التاريخ، والتي كانت أقرب إلى الرؤية الإسلامية، وقد كانت تلك الرؤية تقوم على مبدأ ( الإنتاج من أجل الاستهلاك ) أي أن الإنسان ينتج ليلبي حاجاته الاستهلاكية .
هذا الانقلاب المخيف أدى إلى أن يصبح الإنسان من حيث لا يشعر مسخراً للعمل و زيادة الإنتاج ، وترتب على هذا تراجع الأنشطة الروحية والأدبية التي تميز حياة البشرة عن حياة السوائم الذليلة و عن وضعية الآلة الصماء ، كما ترتب علية تلوث البيئة و إجهاد الأرض و استنفاد سريع لمصادر الطاقة غير المتجددة .
إنها في حقيقة الأمر مأساة كبرى يتعرض لها الإنسان ، ويتعرض لها كوكب الأرض أيضاً .
و إليك بعض الملاحظات المختصرة حول هذه القضية:
1 – نفوسنا مجبولة على حب الدنيا و الاستكثار من متاعها و أشيائها، ومهما نال المرء من المال و ما يشترى بالمال ، فإنه سيظل يشعر بعدم الاكتفاء ، إنه – كما قالوا – كشارب ماء البحر كلما شرب ازداد عطشاً، وقد قال – علية الصلاة والسلام – : ” إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض” قيل : ما بركات الأرض ؟ قال : ” زهرة الدنيا”. وقال منبهاً إلى ما تنطوي عليه ميولنا إلى الدنيا من ابتلاء و تحدًّ : ” إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ” .
هذا المعنى قد غاب عن السواد الأعظم من المسلمين اليوم ، حيث إن من النادر أن تجد من يخاف ألا يقوم بواجب النعمة التي يسعى ليل نهار إلى الحصول عليها ، ومن يشعر أنه من خلال تكديس الأموال و التوسع في امتلاك الأشياء – داخل في امتحان من نوع جديد قد ينجح فيه وقد لا ينجح ، كما أنك لا تكاد تجد من يخطط لإيقاف السعي وراء الدنيا عند حدود معينة حتى لا يؤثر في أنشطته الروحية والتعبدية وفي واجباته الدعوية و الاجتماعية .
2 – الحرية في الرؤية الإسلامية من القيم العظيمة جداً ، وهي لا تعني حرية التعبير وحرية التملك والتنقل فحسب ، وإنما تعني التحرر من وطأة الرغبات و العادات السيئة ووطأة الميول نحو الترفّة و التمتع ، والتحرر من استعباد الذات للشهرة و النفوذ ؛ لأن الانغماس في هذه الأمور يتقاطع مع العبودية الخالصة لله – تعالى – .
إن المسلم حين يستطيع إيقاف رغباته المادية عند حد معين يوفر لنفسه الفرصة لتحقيق الذات عن طريق الرفاهية الروحية و الشعور بنشوة الانتصار و الغلبة ونشوة العبودية لله – تعالى – والثقة بأنه يعمل ما عليه أن يعمله ، مما يولد في النهاية الشعور بالاستمرارية على النهج القويم وتوقع الفوز برضوان الله _تعالى_ .
الوسيلة لذلك هي القناعة و الاقتصاد في الإنفاق و حذف بعض الكماليات ، وغض الطرف عمن يتمتع بمستويات معيشية أعلى .
وقد ورد الثناء على هذه الوضعية في قوله – علية الصلاة والسلام -: ” ليس الغنى من كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس ” . وقوله : ” قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً ، وقنّعه الله بما آتاه ” .
3- زيادة الحاجات المادية وتحول الكثير من الكماليات إلى حاجيات ، وتباري الناس في إظهار القدرة على شراء الأغلى والأنفس ، أوجد لدى الأمة العديد من الأمراض الخلفية و الاجتماعية ، وضخم من المشكلات الاقتصادية والبيئية ، وعلى سبيل التمثيل لا لحصر فإن الشعور بالعوز للمزيد من تكديس الأشياء وتلبية الميول إلى الاستمتاع بالمرفهات من الأمور التي أشاعت في الناس الحسد و التسخط على الله – تعالى – كما أشاعت مرض المظهرية و الشكلية واللذين يُعبّر بهما غالباً عن طريق الأشياء و الممتلكات ، وهذه كلها أمور مقلقة و مزعجة ، كما أنها تدفع إلى الكذب والتباغض والتزوير …
أما على الصعيد الاقتصادي فأمة الإسلام لا تمتلك الكثير من الأموال التي توفر بها حاجاتها الأساسية على مستوى الغذاء والدواء والتعليم … ، وهي إلى جانب هذا تتمتع بزيادة سكانية عالية ، وهي في حاجة – حتى لا تتدهور أوضاع الأجيال الجديدة أكثر فأكثر – إلى إيجاد فرص وظيفية جديدة ، وتلك الفرص لا تأتي إلا من خلال توفير بعض الدخل من أجل إعادة استثمار في دورة اقتصادية جديدة ، و إذا علمنا أن أكثر ما نترفه به يستورد من خارج البلاد الإسلامية أدركنا الخطورة البالغة التي يشكلها التمادي في الإنفاق الترفي على الاقتصادات الوطنية !
4 – أرجو ألا يفهم من الكلام السابق أنني أدعو المسلم الملتزم إلى القعود عن طلب الرزق ، وإلى التكاسل و ترك شأن المال و الاقتصاد و الاستثمار للآخرين يتخذون منه وسائل للسيطرة والإفساد والمزيد من الضياع … إن هذا ليس وارداً، فالمسلم مطالب بأن يؤمن الكفاية لنفسه ولمن يعول ، و إذا استطاع أن يكسب أكثر من حاجته على نية التصدق وصلة الأرحام ، أو على نية توفير فرص عمل جديدة لإخوانه المسلمين ، فإنه بذلك الكسب يخرج من دائرة المباح إلى دائرة العبادة و التقرب إلى الله – تعالي – .
يقول سبحانه – : ” فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ” .
ويقول – عليه الصلاة والسلام – : “لأن يأخذ أحدكم أحبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلاً أغناه الله من فضله فيسأله ، أعطاه أو منعه ” . وقال : ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ” قال أبو هريرة : وأحسبه قال : ” وكالقائم الذي لا يفتر ، وكالصائم الذي لا يفطر “.
إن الإنتاجية لدى الأمة منخفضة إذا ما قيست بالأمم المتقدمة ، ومع هذا الانخفاض فإننا مكبلون بعادات إنفاقية وبذخية ليست موجودة أيضاً لدى عدد كبير من أبناء الأمم الثرية . والنظرية الإسلامية معاكسة تماماً لهذه الوضعية، وتصور معي لو أن مستوى إنتاجية الإنسان المسلم ارتفع ليصل إلى مستوى إنتاجية الإنسان في الغرب في الوقت الذي نقوم فيه بترشيد سلوكنا الإنفاقي ، إن النتيجة ستكون مذهلة لصالح العناصر الضعيفة في المجتمع ، و لصالح الاقتصاد الوطني و صالح مركز الأمة على الصعيد العالمي .
(من كتاب( جدد عقلك
Hijri Date Correction:
1