في البداية لا بد من الرجوع قليلاً إلى الوراء، فكما يقال: لا سياسة دون تاريخ، ومن العبر ذات الدلالة أن قسماً من العالم العربي قبل سقوط الدولة العثمانية كان قد وثق بالإنكليز، فكانت النتيجة أن استعمر الإنكليز بلادهم طويلاً وتوزعوها مع فرنسا(1)، تشظى هذا العالم العربي إلى دول ودويلات بحدود مصطنعة، وعاش تجارب فاشلة أكلت الأخضر واليابس، وذهبت بالمال والرجال، وقبل هذا ابتعدت عن هوية الأمة وثقافتها وعقيدتها فكان عاقبة أمرها خسراً، لقد جربوا القومية الضيقة، والليبرالية الغربية بتقليد أعرج، وجربوا الاشتراكية، وكانت النتائج مدمرة باهظة، كانت هزائم 1948 و1967، وما تلاها من هزائم وتنازلات ونزاعات، ومع أن هذا العالم العربي يملك من الإمكانات المادية والعلمية والحضارية الشيء الكثير ولكنه ضيعها بشعارات فارغة وحكومات فاسدة، ومن الأمور المذهلة أن مدخول الأمة العربية من مواردها المتعددة يبلغ (4) تريليون دولار، ذهب منها تريليون لبناء بعض المشاريع وإنفاق على أمور محدودة وتريليون لمشتريات السلاح، والباقي يجب أن نبحث عنه أين ذهب؟!
الطاقات العلمية هاجرت لأنها لم تجد لها مكاناً، لم تجد من يستفيد منها أو يوظفها في اختصاصها، وعاشت أكثر هذه النظم على الاستبداد الذي أضعف روح المقاومة بل أضعف روح المواطنة والانتماء، ودمر النفسية العربية وتفشى على إثر ذلك الفساد الإداري والفساد الأخلاقي وتكدست ثروات من مصادر غريبة، وتفشت الرشوة والعمولات والسياحة اللاأخلاقية، تحولت هذه الأنظمة إلى أنظمة عاجزة تنتظر الحل من الخارج وتستجدي هذا الحل فعل الضعيف المستضعف، والحكم الاستبدادي مهما كان قوياً من الناحية العسكرية، وعنده صناعة عسكرية (العراق مثلاً) ولكنه في الحقيقة هو ضعيف لضعف الانتماء لدى أفراد شعبه وجيشه، وللبعد عن الدين، والطاغية لا يسمع نصحاً، ولا يحب الشخصيات الكبيرة أن تقترب منه، والطبقة المحيطة به تزين له أعماله، ويبقى بعيداً عن معرفة الصورة الحقيقية، ثم جاءت الكارثة الكبرى بالمغامرة العراقية لاحتلال الكويت، وانقسم العالم العربي (أكثر مما هو منقسم) وبدأت أمريكا وحلفاؤها تنفيذ مخططاتهم في إضعاف العراق تمهيداً لاحتلاله.
الاحتلال:
إن مشروع أمريكا في العراق وفي المنطقة العربية أصبح واضحاً وضوح الشمس، وقد كتب عنه الكثير، ولكن سنذكر أشياء من باب التذكير، سنمثل هذه الحرب التي قادتها أمريكا ضد العراق مكانها اللائق بأنها نموذج للكذب، فلا أسلحة دمار شامل، ولا كان القصد إسقاط صدام شخصياً، فقد صرح وزير خارجية بريطانيا مؤخراً بأن: “لو فعل صدام ما يفعله القذافي اليوم لبقي في الحكم هو وأولاده”.
إن قرار الاحتلال كان قراراً صهيونياً بالدرجة الأولى، ولضرب وتفتيت دولة عربية عندها الاستعداد لتكون دولة قوية، ثم يأتي بعد ذلك نهب النفط، ويكون هذا الاحتلال مرتكزاً لمشروعهم الذي طرحوه مؤخراً (الشرق الأوسط الكبير) وهو شبيه بما طرحه شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) وكل هذا في صالح إسرائيل وقريب من هذا المشروع ما طرحه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق (برجينسكي) عن استراتيجية (أوراسيا) وأن من يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على العالم، فهذه المنطقة يوجد فيها 75% من سكان العالم، و60% من الدخل العالمي، و75% من الطاقة(2)، وفي هذا المقال يحذر برجينسكي أمريكا بأن عليها ألا تُنفّر تركيا حتى لا تصبح أكثر إسلامية ويقول أيضاً: “إن من مصلحة أمريكا أن تكون إيران قوية حتى لو كانت مدفوعة دينياً”.
أما نشر الديمقراطية في العراق ومن ثم تصديرها إلى دول الجوار فهي قصة مضحكة، فأمريكا هي التي أيدت وساعدت على انتشار الديكتاتورية في العالم العربي وفي العلم، ونشر الديمقراطية الحقيقية ليست في صالح أمريكا، إذن هي تريد ديمقراطية مهلهلة ضعيفة حسب تفصيلها ومقاسها.
احتلت العراق، ودخل الجيش الأمريكي وحلفاؤه بغداد، ولكنه لا يستطيع الافتخار بذلك، فأمريكا أقوى قوة عسكرية وجيش العراق فقد نصف عتاده في حرب 1991 والباقي أصبح قديماً بسبب الحصار المفروض، لم يتحول العراق إلى ديمقراطية، بل عبثت به وبمباركة من الاحتلال أيدي اللصوص وأصحاب النهب والتدمير، ثم فوجئ الاحتلال بعد ذلك بالمقاومة حين كان يصور له ممن يساعده بأن العراقيين سيستقبلونه بالورود والرياحين.
الحال العربية:
1 – إن الذين لا يقرؤون التاريخ تفاجئهم الأحداث بأمور يحسبونها جديدة ويرتاعون لها، هكذا فوجئت النخب الحاكمة في البلاد العربية بشعارات ومشاريع يطلقها الغرب فأصيبت هذه النخب بالوجوم والخوف، ظهر شعار (النظام العالمي الجديد) بعد حرب الخليج الثانية، وهو ليس بجديد، فقد استخدم سابقاً، ومن الذين أطلقوه تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية، واعتقدت الدول العربية أن هذا النظام سيكون الآمر الناهي في القرن الحادي والعشرين، ولكن هذا الشعار لم يثبت طويلاً، مع أن بوش (الأب) استخدمه خلال سنة واحدة أكثر من (274) مرة، ثم ظهر شعار نظام عالمي جديد بإدارة أمريكا، ولم يثبت أيضاً، واليوم ترفع أمريكا شعار الشرق الأوسط الكبير، فهل يثبت أم يكون مثل سابقيه، خاصة وأن بعض الدول الأوربية تعارضه أو لا ترتاح له.
2 – من المؤسف أن الكتّاب الصحفيين وغيرهم روَّجوا في هذه الفترة لأفكار خطيرة ولتزيد هذه الأمة ضعفاً إلى ضعفها، قالوا: إن هذا العصر هو عصر الاقتصاد والعولمة والتقنية، وقد سقطت (الأيديولوجيا) وهم يقصدون الفكر الذي يسير الإنسان ويعطيه النظرة للحياة وللكون، وبالنسبة لنا نحن المسلمين يعني إسقاط الدين والثقافة كموجه لحياتنا، وكأن الإنسان تحول إلى إنسان آلي أو نزل إلى مرتبة الحيوان يأكل ويشرب.
3 – كما روّجت الأنظمة لشعار سقوط الخيار العسكري والاحتكام للسلاح، وكأنه انتهى عصر الدفاع عن النفس وعن الأوطان والأموال والأعراض، وكأن البشرية ستتحول إلى حمائم سلام، وهذا شيء غير طبيعي ولا يقول هذه المقولة عاقل، وهل ستنتهي الجغرافيا وينتهي التاريخ ………… لهذه الدول – إشفاقاً عليها – قوموا الآن وحاربوا، ولكن هل توجد دولة أو أمة تترك الاستعداد وتترك القوة، والعدو الصهيوني يلوح بالسلاح النووي، وهذا الشعب الإنكليزي يرفض بعض شروط الوحدة الأوربية حفاظاً على خصوصيات وطنية، وكان من نتيجة هذا الاستسلام الذي ليس له مبرر أن وقفت الجيوش العربية عاجزة تتفرج على مجازر إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
4 – بعد احتلال العراق أصبح كل نظام يفكر كيف ينجو بنفسه فيتنازل عن المقدرات والسيادة وعن كل ما يملك ظناً منه أن أمريكا قادرة على كل شيء – والعياذ بالله-، مع أنها الآن غارقة في الوحل العراقي، ويقال: إن هناك دولاً عربية تطلب مساعدة إسرائيل لتنظيم مخابراتها، كما تطلب خبرة عسكرية(3)، وأما العراق البلد العربي الأصيل فيراد سلخه عن دينه وعروبته وبرز الحاقدون من الشعوبيين والمتغربين، واستقووا بأمريكا وصار لهم صوت مسموع، وخضعت الحكومات لمطالبهم، مع أن الشعوب التي تسكن المنطقة العربية عاشت مئات السنين مع بعضها لم يعكر صفوها حقد أو تفاخر بالأعراق والأنساب.
أما المنظمات العالمية كالأمم المتحدة والإقليمية كالجامعة العربية فقد سقطت كلها، ولم يعد لها أي قبول أو احترام، ولم تستطع الأنظمة العربية تحصين نفسها أمام تهديدات أمريكا، وذلك بالالتحام مع شعوبها والرجوع إلى مصدر القوة الحقيقي، وهذا أدى إلى ضعفها داخلياً وخارجياً لأن أمريكا التي يخافون منها تنظر لهم بازدراء حين لا يمثلون شعوبهم حق التمثيل.
الحاضر والمستقبل:
إذا كانت الحالة مزرية، والصورة مظلمة، وكل غيور لا يتمنى هذا الواقع، فإن ما يوجد على أرض الواقع أيضاً، وما يتوقع في المستقبل، يعطي أملاً بأن تكون الصورة أفضل إن شاء الله، والمؤمن متفائل، وهذه الأمة ولود كما يقال ولا تنطفئ فيها جذوة الخير أبداً.
1 – إن أمريكا التي يخافون منها خوفاً عظيماً تعاني من أمور كثيرة وهي لا تستطيع أن تتحول إلى إمبراطورية لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وقد بدأ مسلسل الكذب يظهر، وبدأت تحقيقات الكونغرس عن أحداث 11/9 وأسباب احتلال العراق، وسقطت حكومة إسبانيا حليفة أمريكا، ويتوقعون سقوط الباقي من الحلفاء، وقد قالها قديماً لأمريكا الرئيس الفرنسي (ديغول): “إن أمريكا ربحت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي ولكنها ستخسر بعدها السلام”.
2 – إن الشعوب لا تقبل الإهانة ولا تصبر عليها لفترة طويلة، وسيأتي يوم ينفد صبرها، وترد على هذه الغطرسة الأمريكية واليهودية، وهم يردون الآن ببطولات ظاهرة في فلسطين والعراق، وقد تعرضت بغداد للتدمير زمن هولاكو، وتتعرض اليوم للتدمير من المغول الجدد، ولكن الخاسر الأكبر ستكون أمريكا – إن شاء الله – لأنها باغية ظالمة.
3 – إن الأمة ترتقب منذ زمن دوراً للعلماء، كما كان لهم دور كبير في انتصارات نور الدين وصلاح الدين في دحر الصليبيين، وفي الأفق بوادر على إدراك العلماء لهذه المهمة الملقاة على عاتقهم، وتحرك في هذا الاتجاه، وإن مجابهة الأخطار لا تأتي عن طريق العواطف الغائرة أو القرارات المستعجلة بل بالتخطيط السليم والصبر الذي أمرنا الله به.
4 – إن النقاط المضيئة في حياتنا اليوم هي هذه المقاومة العظيمة في فلسطين، وإنها لعظيمة بكل المقاييس، ولا أظن أن هناك شعباً آخر يتحمل ما يتحمله هذا الشعب ويقدم التضحيات، ويصبر ويصابر على مدى سنوات في صراع غير متكافئ مع أعتى الأسلحة التي تفتق عنها ذهن البشر، وكذلك هذه المقاومة في العراق التي أرغمت أنف أمريكا في التراب.
اللهم أعز دينك وانصر عبادك الموحدين..
والحمد لله رب العالمين.
————–
(1) واليوم وثق بعضهم بأمريكا، وها هي تحتل العراق، ولا ندري ماذا تصنع بالباقين.
(2) استراتيجية جغرافية لأوربا وآسيا، مجلة (فورين أنيرز) تاريخ 3/5/1997.
(3) مجلة المستقبل العربي، عدد (190) ص 23.
الطاقات العلمية هاجرت لأنها لم تجد لها مكاناً، لم تجد من يستفيد منها أو يوظفها في اختصاصها، وعاشت أكثر هذه النظم على الاستبداد الذي أضعف روح المقاومة بل أضعف روح المواطنة والانتماء، ودمر النفسية العربية وتفشى على إثر ذلك الفساد الإداري والفساد الأخلاقي وتكدست ثروات من مصادر غريبة، وتفشت الرشوة والعمولات والسياحة اللاأخلاقية، تحولت هذه الأنظمة إلى أنظمة عاجزة تنتظر الحل من الخارج وتستجدي هذا الحل فعل الضعيف المستضعف، والحكم الاستبدادي مهما كان قوياً من الناحية العسكرية، وعنده صناعة عسكرية (العراق مثلاً) ولكنه في الحقيقة هو ضعيف لضعف الانتماء لدى أفراد شعبه وجيشه، وللبعد عن الدين، والطاغية لا يسمع نصحاً، ولا يحب الشخصيات الكبيرة أن تقترب منه، والطبقة المحيطة به تزين له أعماله، ويبقى بعيداً عن معرفة الصورة الحقيقية، ثم جاءت الكارثة الكبرى بالمغامرة العراقية لاحتلال الكويت، وانقسم العالم العربي (أكثر مما هو منقسم) وبدأت أمريكا وحلفاؤها تنفيذ مخططاتهم في إضعاف العراق تمهيداً لاحتلاله.
الاحتلال:
إن مشروع أمريكا في العراق وفي المنطقة العربية أصبح واضحاً وضوح الشمس، وقد كتب عنه الكثير، ولكن سنذكر أشياء من باب التذكير، سنمثل هذه الحرب التي قادتها أمريكا ضد العراق مكانها اللائق بأنها نموذج للكذب، فلا أسلحة دمار شامل، ولا كان القصد إسقاط صدام شخصياً، فقد صرح وزير خارجية بريطانيا مؤخراً بأن: “لو فعل صدام ما يفعله القذافي اليوم لبقي في الحكم هو وأولاده”.
إن قرار الاحتلال كان قراراً صهيونياً بالدرجة الأولى، ولضرب وتفتيت دولة عربية عندها الاستعداد لتكون دولة قوية، ثم يأتي بعد ذلك نهب النفط، ويكون هذا الاحتلال مرتكزاً لمشروعهم الذي طرحوه مؤخراً (الشرق الأوسط الكبير) وهو شبيه بما طرحه شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) وكل هذا في صالح إسرائيل وقريب من هذا المشروع ما طرحه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق (برجينسكي) عن استراتيجية (أوراسيا) وأن من يسيطر على هذه المنطقة يسيطر على العالم، فهذه المنطقة يوجد فيها 75% من سكان العالم، و60% من الدخل العالمي، و75% من الطاقة(2)، وفي هذا المقال يحذر برجينسكي أمريكا بأن عليها ألا تُنفّر تركيا حتى لا تصبح أكثر إسلامية ويقول أيضاً: “إن من مصلحة أمريكا أن تكون إيران قوية حتى لو كانت مدفوعة دينياً”.
أما نشر الديمقراطية في العراق ومن ثم تصديرها إلى دول الجوار فهي قصة مضحكة، فأمريكا هي التي أيدت وساعدت على انتشار الديكتاتورية في العالم العربي وفي العلم، ونشر الديمقراطية الحقيقية ليست في صالح أمريكا، إذن هي تريد ديمقراطية مهلهلة ضعيفة حسب تفصيلها ومقاسها.
احتلت العراق، ودخل الجيش الأمريكي وحلفاؤه بغداد، ولكنه لا يستطيع الافتخار بذلك، فأمريكا أقوى قوة عسكرية وجيش العراق فقد نصف عتاده في حرب 1991 والباقي أصبح قديماً بسبب الحصار المفروض، لم يتحول العراق إلى ديمقراطية، بل عبثت به وبمباركة من الاحتلال أيدي اللصوص وأصحاب النهب والتدمير، ثم فوجئ الاحتلال بعد ذلك بالمقاومة حين كان يصور له ممن يساعده بأن العراقيين سيستقبلونه بالورود والرياحين.
الحال العربية:
1 – إن الذين لا يقرؤون التاريخ تفاجئهم الأحداث بأمور يحسبونها جديدة ويرتاعون لها، هكذا فوجئت النخب الحاكمة في البلاد العربية بشعارات ومشاريع يطلقها الغرب فأصيبت هذه النخب بالوجوم والخوف، ظهر شعار (النظام العالمي الجديد) بعد حرب الخليج الثانية، وهو ليس بجديد، فقد استخدم سابقاً، ومن الذين أطلقوه تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية، واعتقدت الدول العربية أن هذا النظام سيكون الآمر الناهي في القرن الحادي والعشرين، ولكن هذا الشعار لم يثبت طويلاً، مع أن بوش (الأب) استخدمه خلال سنة واحدة أكثر من (274) مرة، ثم ظهر شعار نظام عالمي جديد بإدارة أمريكا، ولم يثبت أيضاً، واليوم ترفع أمريكا شعار الشرق الأوسط الكبير، فهل يثبت أم يكون مثل سابقيه، خاصة وأن بعض الدول الأوربية تعارضه أو لا ترتاح له.
2 – من المؤسف أن الكتّاب الصحفيين وغيرهم روَّجوا في هذه الفترة لأفكار خطيرة ولتزيد هذه الأمة ضعفاً إلى ضعفها، قالوا: إن هذا العصر هو عصر الاقتصاد والعولمة والتقنية، وقد سقطت (الأيديولوجيا) وهم يقصدون الفكر الذي يسير الإنسان ويعطيه النظرة للحياة وللكون، وبالنسبة لنا نحن المسلمين يعني إسقاط الدين والثقافة كموجه لحياتنا، وكأن الإنسان تحول إلى إنسان آلي أو نزل إلى مرتبة الحيوان يأكل ويشرب.
3 – كما روّجت الأنظمة لشعار سقوط الخيار العسكري والاحتكام للسلاح، وكأنه انتهى عصر الدفاع عن النفس وعن الأوطان والأموال والأعراض، وكأن البشرية ستتحول إلى حمائم سلام، وهذا شيء غير طبيعي ولا يقول هذه المقولة عاقل، وهل ستنتهي الجغرافيا وينتهي التاريخ ………… لهذه الدول – إشفاقاً عليها – قوموا الآن وحاربوا، ولكن هل توجد دولة أو أمة تترك الاستعداد وتترك القوة، والعدو الصهيوني يلوح بالسلاح النووي، وهذا الشعب الإنكليزي يرفض بعض شروط الوحدة الأوربية حفاظاً على خصوصيات وطنية، وكان من نتيجة هذا الاستسلام الذي ليس له مبرر أن وقفت الجيوش العربية عاجزة تتفرج على مجازر إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
4 – بعد احتلال العراق أصبح كل نظام يفكر كيف ينجو بنفسه فيتنازل عن المقدرات والسيادة وعن كل ما يملك ظناً منه أن أمريكا قادرة على كل شيء – والعياذ بالله-، مع أنها الآن غارقة في الوحل العراقي، ويقال: إن هناك دولاً عربية تطلب مساعدة إسرائيل لتنظيم مخابراتها، كما تطلب خبرة عسكرية(3)، وأما العراق البلد العربي الأصيل فيراد سلخه عن دينه وعروبته وبرز الحاقدون من الشعوبيين والمتغربين، واستقووا بأمريكا وصار لهم صوت مسموع، وخضعت الحكومات لمطالبهم، مع أن الشعوب التي تسكن المنطقة العربية عاشت مئات السنين مع بعضها لم يعكر صفوها حقد أو تفاخر بالأعراق والأنساب.
أما المنظمات العالمية كالأمم المتحدة والإقليمية كالجامعة العربية فقد سقطت كلها، ولم يعد لها أي قبول أو احترام، ولم تستطع الأنظمة العربية تحصين نفسها أمام تهديدات أمريكا، وذلك بالالتحام مع شعوبها والرجوع إلى مصدر القوة الحقيقي، وهذا أدى إلى ضعفها داخلياً وخارجياً لأن أمريكا التي يخافون منها تنظر لهم بازدراء حين لا يمثلون شعوبهم حق التمثيل.
الحاضر والمستقبل:
إذا كانت الحالة مزرية، والصورة مظلمة، وكل غيور لا يتمنى هذا الواقع، فإن ما يوجد على أرض الواقع أيضاً، وما يتوقع في المستقبل، يعطي أملاً بأن تكون الصورة أفضل إن شاء الله، والمؤمن متفائل، وهذه الأمة ولود كما يقال ولا تنطفئ فيها جذوة الخير أبداً.
1 – إن أمريكا التي يخافون منها خوفاً عظيماً تعاني من أمور كثيرة وهي لا تستطيع أن تتحول إلى إمبراطورية لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وقد بدأ مسلسل الكذب يظهر، وبدأت تحقيقات الكونغرس عن أحداث 11/9 وأسباب احتلال العراق، وسقطت حكومة إسبانيا حليفة أمريكا، ويتوقعون سقوط الباقي من الحلفاء، وقد قالها قديماً لأمريكا الرئيس الفرنسي (ديغول): “إن أمريكا ربحت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي ولكنها ستخسر بعدها السلام”.
2 – إن الشعوب لا تقبل الإهانة ولا تصبر عليها لفترة طويلة، وسيأتي يوم ينفد صبرها، وترد على هذه الغطرسة الأمريكية واليهودية، وهم يردون الآن ببطولات ظاهرة في فلسطين والعراق، وقد تعرضت بغداد للتدمير زمن هولاكو، وتتعرض اليوم للتدمير من المغول الجدد، ولكن الخاسر الأكبر ستكون أمريكا – إن شاء الله – لأنها باغية ظالمة.
3 – إن الأمة ترتقب منذ زمن دوراً للعلماء، كما كان لهم دور كبير في انتصارات نور الدين وصلاح الدين في دحر الصليبيين، وفي الأفق بوادر على إدراك العلماء لهذه المهمة الملقاة على عاتقهم، وتحرك في هذا الاتجاه، وإن مجابهة الأخطار لا تأتي عن طريق العواطف الغائرة أو القرارات المستعجلة بل بالتخطيط السليم والصبر الذي أمرنا الله به.
4 – إن النقاط المضيئة في حياتنا اليوم هي هذه المقاومة العظيمة في فلسطين، وإنها لعظيمة بكل المقاييس، ولا أظن أن هناك شعباً آخر يتحمل ما يتحمله هذا الشعب ويقدم التضحيات، ويصبر ويصابر على مدى سنوات في صراع غير متكافئ مع أعتى الأسلحة التي تفتق عنها ذهن البشر، وكذلك هذه المقاومة في العراق التي أرغمت أنف أمريكا في التراب.
اللهم أعز دينك وانصر عبادك الموحدين..
والحمد لله رب العالمين.
————–
(1) واليوم وثق بعضهم بأمريكا، وها هي تحتل العراق، ولا ندري ماذا تصنع بالباقين.
(2) استراتيجية جغرافية لأوربا وآسيا، مجلة (فورين أنيرز) تاريخ 3/5/1997.
(3) مجلة المستقبل العربي، عدد (190) ص 23.
Hijri Date Correction:
1