أريد أن أدخل إلى الوضع العربي الراهن بقدر ما يتصل بالقضية العراقية بالتغيير المفاجئ في الموقف الليبي حول بقاء الترسانة النووية والتي دفع الشعب الليبي قدرا كبيرا من لقمة عيشه وتحمل الكثير من المضايقات الدولية – الأمريكية خاصة – من أجل امتلاكها، وإذا بعميد قادة العرب كما يسمي نفسه – معمر القذافي – يتحول 180 درجة بالاتجاه المعاكس ويرمي بنفسه إلى الحضن الأمريكي متوسلا ومستغفرا عما ارتكبه من أخطاء عبر عقود سالفة بحق العالم المتحضر، وسلم جميع المواد والمعدات والمعلومات المتعلقة بصنع القنابل الذرية إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن خلالها إلى الأمريكان، ووشى بالعالم النووي الباكستاني عبد القدير خان بأنه قدم للحكومة الليبية معلومات ضرورية متعلقة بالموضوع، وأحرج بذلك باكستان كثيرا في وقت تبحث الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عن ذريعة لابتزاز باكستان وتغليب الكفة الهندية عليها بخصوص النزاع حول كشمير، ووصل الأمر إلى حد أن يقول رئيس الوزراء البريطاني أثناء زيارته إلى خيمة القذافي بأنه تفاجأ بالدعم الليبي لمكافحة الإرهاب. ولا بد من السؤال هنا: ما الذي دفع بالقذافي لتغيير نهجه وأن يتراجع من محاربة الإمبريالية إلى التعاون معها في ضرب القوى المتحررة في العالم؟!
الجواب حسب رأيي، أن صاحب الكتاب الأخضر هذا لما رأى صورة الرئيس العراقي السابق صدام حسين منكوش الشعر ذليلا على شاشات التلفاز والجندي الأمريكي يبحث في رأسه عن “القمل”!،فهم الرسالة الأمريكية الموجهة من خلال هذه اللقطات إلى رؤساء العرب جيدا، وأراد النجاة بنفسه وتفادي إمكانية الوقوع في هذا الموقف، ففعل ما فعل، لأن البقاء في العالم الحر بالتكوين الأمريكي أفضل بالطبع من الحياة في المخابئ، ونحن الشعوب قد عودنا الحكام دائما بأن البقاء في الحكم والجلوس على كرسي العرش لأطول فترة ممكنة من الزمن هو من أولى أولوياتهم.
الآن وقد مر عام على احتلال القوات الأمريكية والدول المتحالفة معها للعراق، ووضع صدام حسين بسياساته العرجاء الأمة في مأزق كبير وسلم رقاب الشعب العراقي إلى الجزار الأمريكي، فإن الأجدر بحكام العرب هو العودة إلى شعوبهم والمصالحة معهم، فهو الطريق الأوحد للصمود في وجه المخططات الأمريكية المتصهينة للحفاظ على الكيان العربي والإسلامي بصورة متماسكة – هذا إن كان متماسكا أصلا –
لكن الواقع هو خلاف ذلك والذي حدث هو عكس المطلوب تماما: رضوخ أوضح للغرب الأمريكاني ومحاربة الحركات الإسلامية حتى المعتدلة منها تحت لافتة مكافحة الإرهاب، في وقت يسالمون جميعهم تباعا الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني العربي المسلم.
لو كان صدام حسين طيلة السنوات الثلاثة عشر الماضية التي أعقبت غزو الكويت رجع إلى رشده وأفاق من غروره، ولو انفتح على شعبه وحل القضية الكردية بما يرضي الله – سبحانه وتعالى – لما وجدت القوات الأمريكية منفذا يدخلون من خلاله إلى الأراضي العراقية، لكن كانت نقطة ضعف صدام أنه لم يكن محبوبا من شعبه، بل كان العراقيون شديدي الكراهية له، فالدولة التي بناها لم تكن لا دولة الشرع ولا دولة العقل على حد تعبير عالم الاجتماع المسلم ابن خلدون، والولايات المتحدة تعلم جيدا بأن الأنظمة العربية لا تتمتع بسند شعبي كاف، فبينها وبين شعوبها فواصل عميقة، وكل كيان يفتقر إلى الدعم الشعبي كيان ضعيف وهزيل، ومن هنا تريد فرض رؤيتها للإصلاح في المناحي السياسية والإعلامية والاقتصادية على هذه الدول وبدأت تسوق لفكرة الشرق الأوسط الكبير. وقد رفضت كل من مصر والسعودية بصورة رسمية هذه الوصفات الجاهزة للإصلاح والمفروضة من الخارج، وقال الرئيس المصري حسني مبارك قبل شهر من الآن بأن الإصلاح يجب أن يكون نابعا من الداخل، هذا صحيح، لكن لو كان الإصلاح الداخلي موجودا لما تجرأ جورج بوش على طرح هذه الأفكار، وإن مشكلة الدول العربية هي أنها ترفض جميع المبادرات الإصلاحية النابعة من الداخل، فالمعركة الحقيقية بين الشعوب العربية وأنظمتها هي معركة الإصلاح السياسي والثقافي والاقتصادي والتعليمي، فكم هي كثيرة الأفكار النيرة التي قدمتها القوى السياسية الشعبية لإصلاح الوضع العربي ورفضتها الأنظمة المتعاقبة. فمبادرات الإخوان المسلمين في مصر كلها رفضت، وما قدمه علماء السعودية من أطروحات لم تتم الاستجابة له، لكن يبدو أن حكام العرب يعيشون في تناقض مستمر، فمن جانب يقولون بالإصلاح الداخلي وهم بشخوصهم العقبة الكأداء في طريقه، ومن جانب آخر يرفضون الإصلاح الآتي من الخارج لكن ما إن أرسل بوش بنصوصه إلى العرب لإصلاح أوضاعهم حتى بدأ الزعماء يتسابقون في كتابة وتقديم مشاريع إصلاحية إلى القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس، مما حدا ببعض المراقبين إلى القول بأنه قبول خجول للأطروحات الأمريكية. ويبدو من كل ذلك أن هؤلاء الزعماء لم يدركوا المغزى العميق ولم يستوعبوا بقدر كاف الحالة العراقية الراهنة والمقدمات التي أدت إلى هذه النتيجة.
نقطة ثانية لا بد من الوقوف عندها وهي من إفرازات أخطاء النظام العراقي السابق والتلقف الأمريكي واستثمارها لها، وهي مسألة الطائفية، فهناك توجس وحالة من عدم التجانس النفسي بين عموم السنة وعموم الشيعة في العراق مع وجود حالات استثنائية، وأصبح ذلك من أكبر نقاط الضعف أمام المحتل حيث كان من المفروض أن يكون التنوع عامل قوة وليس عامل ضعف. والأسباب التي أدت إلى خلق هذه الحالة هي ثلاثة أمور رئيسية بالإضافة إلى التراكمات التاريخية لعدة قرون:
– العامل الأول: يوجد فهم خاطئ (مختلق) تقف وراءه غايات سياسية، وهو تنسيب صدام حسين إلى السنة والفكر السني في الفهم والتطبيق وإدارة الدولة، وممارسة القمع ضد الشيعة، ثم يقول أصحاب هذا الرأي أنه من أجل إحقاق الحق وإزالة آثار الظلم على الشيعة لا بد من إبعاد السنة عن الحكم، والجميع يعلمون أن صدام كان بعثيا علمانيا، وقد وضع لنفسه تسعة وتسعون اسما وجعل المغنين يتغنون بها!.
– العامل الثاني: من جانب آخر وبسبب ضعف الدول العربية الجارة للعراق دخلت دولة أخرى وبكل ما عندها من قوة ونفوذ ديني وسياسي إلى داخل المعادلة العراقية لتغذية هذا الشعور والعمل لجعل العامل الأول يقينا عند الشيعة ومن ثم تقوية جانب على حساب جانب آخر، لما يعود ذلك بفوائد إستراتيجية عليها طالما كانت تعمل من أجلها، وتستخدم هذه الدولة للوصول إلى ما تريد كل ما تملك من إمكانيات مادية ومخابراتية وإعلامية، فحدث بذلك اختراق حقيقي وواقع الآن لدولة عربية إسلامية كبيرة وهي العراق. فأنا أكتب الآن من بغداد وأقول للشعب العربي: إن العقل السياسي والديني للعراق مخترق من جسم غريب قريب جغرافيا، بعيد جدا معنويا، وسوف يترك آثارا سيئة على الوضع العربي واتجاه القرارات التي تؤخذ في المستقبل حول القضايا العربية الرئيسية.
– العامل الثالث: إن الولايات المتحدة الأميركية لعبت – وبإتقان – على هذا الوتر الحساس القابل للانفجار في أية لحظة مثلما حدث في إحدى الكليات العراقية صبيحة يوم الأربعاء 24-3-2004م من ملاسنة وعراك بالأيدي بين طلاب شيعة وآخرين سنة. فكلما أحست سلطة الاحتلال بالبرود وعدم الود من أحد الأطراف مالت إلى تقوية الطرف الآخر، وقد تجد أبوابا مفتوحة وصدورا رحبة.
هذا البعد الطائفي في الأحداث في العراق الآن، صنع جسرا جديدا لتعامل أقرب إلى العمالة مع الولايات المتحدة، فالشيعة في العراق يراهنون كثيرا على مهادنة أميركا ومشاركتهم في صنع الأحداث للفوز بوسام الرضا الأميركي لكي تنعم عليهم بحكم العراق، وهنالك حديث دائم وجدي في وسط الساسة والمثقفين الشيعة حول عدم تكرار تجربة ثورة العشرين التي قامت ضد الإنكليز، والنأي بأنفسهم عن العمليات العسكرية الموجهة للقوات المحتلة في العراق.
بعض الشعوب العربية التي لها قابلية التفاعل مع هذه الأجواء المسمومة أصيبت أو مصابة بهذا المرض أيضا.. فقد كنت قبل شهر تقريبا في إحدى الدول الإسلامية مع مجموعة من الشباب العرب والمسلمين، وكنا نتحدث عن المخططات الأمريكية والصهيونية للأمة العربية والإسلامية وهموم الإنسان العربي المسلم، وتحدثت أنا بدوري عن النظام السوري منتقدا، وإذا بأحد الحاضرين – وكان من لبنان – يقول بعلو صوته: إن كلامك طائفي وإنك تنتقد بشار الأسد لأنه علوي ونحن الشيعة في لبنان مستعدين للذهاب إلى سوريا للدفاع عن النظام السوري الحالي.. لقد تذكرت في لحظته قول الله سبحانه عن فرعون و شعبه “فاستخف قومه فأطاعوه”، ومقولة المفكر المسلم مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار” فهذا الشخص الغيور على النظام السوري فيه القابلية أن يستبد ويقمع ويقبل الظلم على بني جنسه، وقد جمع بين نقيضين بدفاعه المستميت عن نظام علماني بدافع ديني مذهبي بكل ما في ذلك من غرابة، وموقفه هذا تلخيص للوضع العربي الراهن في كثير من مناطقه المبتلاه بالتناقضات.
من هنا أقول لدعاة وعلماء الإسلام والزعماء والكتاب والمثقفين بضرورة معالجة هذا المرض الخطير والفتاك والذي ابتلي به العراق ودول عربية أخرى، بحكمة وروية ووضع حد شرعي وعقلاني له.
——-
* كاتب إسلامي عراقي
الجواب حسب رأيي، أن صاحب الكتاب الأخضر هذا لما رأى صورة الرئيس العراقي السابق صدام حسين منكوش الشعر ذليلا على شاشات التلفاز والجندي الأمريكي يبحث في رأسه عن “القمل”!،فهم الرسالة الأمريكية الموجهة من خلال هذه اللقطات إلى رؤساء العرب جيدا، وأراد النجاة بنفسه وتفادي إمكانية الوقوع في هذا الموقف، ففعل ما فعل، لأن البقاء في العالم الحر بالتكوين الأمريكي أفضل بالطبع من الحياة في المخابئ، ونحن الشعوب قد عودنا الحكام دائما بأن البقاء في الحكم والجلوس على كرسي العرش لأطول فترة ممكنة من الزمن هو من أولى أولوياتهم.
الآن وقد مر عام على احتلال القوات الأمريكية والدول المتحالفة معها للعراق، ووضع صدام حسين بسياساته العرجاء الأمة في مأزق كبير وسلم رقاب الشعب العراقي إلى الجزار الأمريكي، فإن الأجدر بحكام العرب هو العودة إلى شعوبهم والمصالحة معهم، فهو الطريق الأوحد للصمود في وجه المخططات الأمريكية المتصهينة للحفاظ على الكيان العربي والإسلامي بصورة متماسكة – هذا إن كان متماسكا أصلا –
لكن الواقع هو خلاف ذلك والذي حدث هو عكس المطلوب تماما: رضوخ أوضح للغرب الأمريكاني ومحاربة الحركات الإسلامية حتى المعتدلة منها تحت لافتة مكافحة الإرهاب، في وقت يسالمون جميعهم تباعا الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني العربي المسلم.
لو كان صدام حسين طيلة السنوات الثلاثة عشر الماضية التي أعقبت غزو الكويت رجع إلى رشده وأفاق من غروره، ولو انفتح على شعبه وحل القضية الكردية بما يرضي الله – سبحانه وتعالى – لما وجدت القوات الأمريكية منفذا يدخلون من خلاله إلى الأراضي العراقية، لكن كانت نقطة ضعف صدام أنه لم يكن محبوبا من شعبه، بل كان العراقيون شديدي الكراهية له، فالدولة التي بناها لم تكن لا دولة الشرع ولا دولة العقل على حد تعبير عالم الاجتماع المسلم ابن خلدون، والولايات المتحدة تعلم جيدا بأن الأنظمة العربية لا تتمتع بسند شعبي كاف، فبينها وبين شعوبها فواصل عميقة، وكل كيان يفتقر إلى الدعم الشعبي كيان ضعيف وهزيل، ومن هنا تريد فرض رؤيتها للإصلاح في المناحي السياسية والإعلامية والاقتصادية على هذه الدول وبدأت تسوق لفكرة الشرق الأوسط الكبير. وقد رفضت كل من مصر والسعودية بصورة رسمية هذه الوصفات الجاهزة للإصلاح والمفروضة من الخارج، وقال الرئيس المصري حسني مبارك قبل شهر من الآن بأن الإصلاح يجب أن يكون نابعا من الداخل، هذا صحيح، لكن لو كان الإصلاح الداخلي موجودا لما تجرأ جورج بوش على طرح هذه الأفكار، وإن مشكلة الدول العربية هي أنها ترفض جميع المبادرات الإصلاحية النابعة من الداخل، فالمعركة الحقيقية بين الشعوب العربية وأنظمتها هي معركة الإصلاح السياسي والثقافي والاقتصادي والتعليمي، فكم هي كثيرة الأفكار النيرة التي قدمتها القوى السياسية الشعبية لإصلاح الوضع العربي ورفضتها الأنظمة المتعاقبة. فمبادرات الإخوان المسلمين في مصر كلها رفضت، وما قدمه علماء السعودية من أطروحات لم تتم الاستجابة له، لكن يبدو أن حكام العرب يعيشون في تناقض مستمر، فمن جانب يقولون بالإصلاح الداخلي وهم بشخوصهم العقبة الكأداء في طريقه، ومن جانب آخر يرفضون الإصلاح الآتي من الخارج لكن ما إن أرسل بوش بنصوصه إلى العرب لإصلاح أوضاعهم حتى بدأ الزعماء يتسابقون في كتابة وتقديم مشاريع إصلاحية إلى القمة العربية التي كان من المقرر عقدها في تونس، مما حدا ببعض المراقبين إلى القول بأنه قبول خجول للأطروحات الأمريكية. ويبدو من كل ذلك أن هؤلاء الزعماء لم يدركوا المغزى العميق ولم يستوعبوا بقدر كاف الحالة العراقية الراهنة والمقدمات التي أدت إلى هذه النتيجة.
نقطة ثانية لا بد من الوقوف عندها وهي من إفرازات أخطاء النظام العراقي السابق والتلقف الأمريكي واستثمارها لها، وهي مسألة الطائفية، فهناك توجس وحالة من عدم التجانس النفسي بين عموم السنة وعموم الشيعة في العراق مع وجود حالات استثنائية، وأصبح ذلك من أكبر نقاط الضعف أمام المحتل حيث كان من المفروض أن يكون التنوع عامل قوة وليس عامل ضعف. والأسباب التي أدت إلى خلق هذه الحالة هي ثلاثة أمور رئيسية بالإضافة إلى التراكمات التاريخية لعدة قرون:
– العامل الأول: يوجد فهم خاطئ (مختلق) تقف وراءه غايات سياسية، وهو تنسيب صدام حسين إلى السنة والفكر السني في الفهم والتطبيق وإدارة الدولة، وممارسة القمع ضد الشيعة، ثم يقول أصحاب هذا الرأي أنه من أجل إحقاق الحق وإزالة آثار الظلم على الشيعة لا بد من إبعاد السنة عن الحكم، والجميع يعلمون أن صدام كان بعثيا علمانيا، وقد وضع لنفسه تسعة وتسعون اسما وجعل المغنين يتغنون بها!.
– العامل الثاني: من جانب آخر وبسبب ضعف الدول العربية الجارة للعراق دخلت دولة أخرى وبكل ما عندها من قوة ونفوذ ديني وسياسي إلى داخل المعادلة العراقية لتغذية هذا الشعور والعمل لجعل العامل الأول يقينا عند الشيعة ومن ثم تقوية جانب على حساب جانب آخر، لما يعود ذلك بفوائد إستراتيجية عليها طالما كانت تعمل من أجلها، وتستخدم هذه الدولة للوصول إلى ما تريد كل ما تملك من إمكانيات مادية ومخابراتية وإعلامية، فحدث بذلك اختراق حقيقي وواقع الآن لدولة عربية إسلامية كبيرة وهي العراق. فأنا أكتب الآن من بغداد وأقول للشعب العربي: إن العقل السياسي والديني للعراق مخترق من جسم غريب قريب جغرافيا، بعيد جدا معنويا، وسوف يترك آثارا سيئة على الوضع العربي واتجاه القرارات التي تؤخذ في المستقبل حول القضايا العربية الرئيسية.
– العامل الثالث: إن الولايات المتحدة الأميركية لعبت – وبإتقان – على هذا الوتر الحساس القابل للانفجار في أية لحظة مثلما حدث في إحدى الكليات العراقية صبيحة يوم الأربعاء 24-3-2004م من ملاسنة وعراك بالأيدي بين طلاب شيعة وآخرين سنة. فكلما أحست سلطة الاحتلال بالبرود وعدم الود من أحد الأطراف مالت إلى تقوية الطرف الآخر، وقد تجد أبوابا مفتوحة وصدورا رحبة.
هذا البعد الطائفي في الأحداث في العراق الآن، صنع جسرا جديدا لتعامل أقرب إلى العمالة مع الولايات المتحدة، فالشيعة في العراق يراهنون كثيرا على مهادنة أميركا ومشاركتهم في صنع الأحداث للفوز بوسام الرضا الأميركي لكي تنعم عليهم بحكم العراق، وهنالك حديث دائم وجدي في وسط الساسة والمثقفين الشيعة حول عدم تكرار تجربة ثورة العشرين التي قامت ضد الإنكليز، والنأي بأنفسهم عن العمليات العسكرية الموجهة للقوات المحتلة في العراق.
بعض الشعوب العربية التي لها قابلية التفاعل مع هذه الأجواء المسمومة أصيبت أو مصابة بهذا المرض أيضا.. فقد كنت قبل شهر تقريبا في إحدى الدول الإسلامية مع مجموعة من الشباب العرب والمسلمين، وكنا نتحدث عن المخططات الأمريكية والصهيونية للأمة العربية والإسلامية وهموم الإنسان العربي المسلم، وتحدثت أنا بدوري عن النظام السوري منتقدا، وإذا بأحد الحاضرين – وكان من لبنان – يقول بعلو صوته: إن كلامك طائفي وإنك تنتقد بشار الأسد لأنه علوي ونحن الشيعة في لبنان مستعدين للذهاب إلى سوريا للدفاع عن النظام السوري الحالي.. لقد تذكرت في لحظته قول الله سبحانه عن فرعون و شعبه “فاستخف قومه فأطاعوه”، ومقولة المفكر المسلم مالك بن نبي عن “القابلية للاستعمار” فهذا الشخص الغيور على النظام السوري فيه القابلية أن يستبد ويقمع ويقبل الظلم على بني جنسه، وقد جمع بين نقيضين بدفاعه المستميت عن نظام علماني بدافع ديني مذهبي بكل ما في ذلك من غرابة، وموقفه هذا تلخيص للوضع العربي الراهن في كثير من مناطقه المبتلاه بالتناقضات.
من هنا أقول لدعاة وعلماء الإسلام والزعماء والكتاب والمثقفين بضرورة معالجة هذا المرض الخطير والفتاك والذي ابتلي به العراق ودول عربية أخرى، بحكمة وروية ووضع حد شرعي وعقلاني له.
——-
* كاتب إسلامي عراقي
Hijri Date Correction:
1