كيف كان حال العالم العربي عند غزو العراق وما أثر الغزو والاحتلال عليه بشكل مباشر وغير مباشر؟
هناك لبس كبير في مسألة غزو العراق جعل الإجماع حول جوانب المشكلة العراقية بحاجة إلى دراسة, كما انه ليس مسلماً به. فإذا كان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وسياسات الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني تلقى إدانة دولية واجماعاً دولياً على ضرورة زوال الاحتلال وتوابعه الاستيطانية, وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة لأول مرة, فإن الأمر ليس كذلك في العراق, رغم أن العراق من الدول الرئيسية في أي نظام عربي, وكان له تأثيره سلباً في الغالب على مجمل القضايا العربية. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن كل العالم العربي تقريباً والعالم كله مجمع على ضرورة زوال صدام حسين بعد أن وقع في الفخ الأمريكي مرات ثلاث, عندما تصدى للسلام المصري الإسرائيلي لأغراض تخدم الولايات المتحدة وإسرائيل وتمزق المنطقة العربية, وعندما عمل لحساب الولايات المتحدة, بل والعالم كله في محاولة وأد الثورة الإسلامية في إيران وأضاع في سبيل هذه المغامرة الكثير, وأفقد فيها ما يضيق هذا المقال عن الإحاطة به, ثم كانت ثالثة الاثافي في غزو الكويت وضمها وابتلاعها حتى أكمل شروط حلول القدر المقدور عليه وعلى بلاده.
ولا شك أن الولايات المتحدة قد مهدت الأذهان لقبول غزو العراق, تارة بالأكاذيب التي رددتها حول أسلحة الدمار الشامل, ولكنها قدرت في كل الأحيان أن زوال صدام محل إجماع العالم العربي, رغم تحفظاتنا على أن تتم إزالته بأيدي تعمل لصالح إسرائيل.
هكذا تلقى العالم العربي عملية غزو العراق تحت تأثير الإعلام الأمريكي, والحث الصهيوني المكثف والجدل الدولي في مجلس الأمن, بمزيج من المعارضة والألم والعجز من ناحية, والارتياح لزوال طاغية عجزت القوى العربية والقوى الوطنية العراقية عن أزاحته من ناحية أخرى, فاستسلم العقل العربي في استراحته الإجبارية إلى فكرة خادعة, وهى أن ما أسمته الولايات المتحدة عملية حرية العراق قد يكون لها من اسمها بعض النصيب, رغم أنه مقتنع في أعماقه أن الدعاية الاستعمارية على مر العصور قد استخدمت دائماً الشعارات الإنسانية والخيرية لتبرير الاستعمار والسيطرة, ولم تكن واشنطن في هذه الحالة استثناء على القاعدة, عندما أعلن الرئيس بوش انه مبعوث العناية الإلهية, وأن حرية العراق ستكون نموذجاً يستفيد منه العالم العربي, مما أثار جدلاً حاداً بين المثقفين لا يزال محتدماً حتى الآن, وهو الربط بين الاستقلال وقضية الإصلاح الداخلي, على أساس أن غزو العراق سببه وجود نظام طاغية, وأن عجز الشعب عن إزاحته جعله يرحب بالغازي لمجرد تخليصه من الجلاد, وأصبح شعار هذا الجدل: هل يتم الإصلاح بيد الحاكم الوطني أم بيد المستعمر الأجنبي؟, واشتد الجدل, خاصة بعد أن استغلت الولايات المتحدة هذا المناخ المتوتر, فأطلقت عدداً من المبادرات تتعلق بعزمها على تحويل النظم الديكتاتورية إلى ديمقراطية وإنشاء منطقة الشرق الأوسط الكبير, وكلها صيغ تهدف جميعاً إلى بسط السيطرة على المنطقة باستغلال آمال الشعوب العربية في الحرية والكرامة, وهى آمال لن تحققها بالقطع المشروعات الأمريكية. ولما كانت الشعوب العربية تطمح فعلاً إلى إطلاق قدراتها وحرياتها ونيل حقوقها التي لم تسعفها النظم السياسية العربية التقليدية في عصر الانفتاح السياسي والثقافي والإعلامي, فقد اشتبك المشروع الأمريكي مع المشروع الرسمي العربي للإصلاح في معركة لا علاقة للشعوب العربية بها, سوى أن هذه الشعوب تتعرض لإشارات واضحة واستنهاض خبيث من الجانبين, فالولايات المتحدة حليف إسرائيل, وكلاهما سبب الشقاء العربي, ويزعمان التحالف مع الشعوب ضد النظم لتحقيق آمالها, والنظم تعتبر ذلك الخطاب ماساً بالكرامة الوطنية وتستنهض همة الشعوب في التصدي لهذا المخطط, واتخذت شعار لا للإصلاح من الخارج, نعم للإصلاح الداخلي, والشعوب تدرك أن الإصلاح الذي وعدوا به من الداخل أو من الخارج لن يجئ, وأن الشعوب لابد أن تستنهض طاقة المجتمع لتقويم ما أعوج في بنية النظام السياسي وتركيب السلطة في عملية تنمية منظمة ومخططة.
أظن أن هذه الاشكالية هى اهم ما ولده الغزو الأمريكي للعراق بعد مضي عام على هذا الغزو. وقد تكون المبادرات الأمريكية للإصلاح والديمقراطية جزءاً من مخطط أمريكي طويل الأجل, ولكنها بالقطع شغلت العالم العربي عن أحوال الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي, وتراهن واشنطن على قضية الاصلاح, وعلى استخدام أوراق أخرى تخدر بها المنطقة, حتى يظل الشعب العراقي يئن, بل إن بعض طوائف المجتمع العراقي لا تمانع في وجود الاحتلال لو أنه تمكن من فرض الأمن ووفر للناس أقواتهم, كما أن ممثل الحزب الإسلامي في مجلس الحكم العراقي قال صراحة في تصريحات إعلامية أن حزبه –رغم عدائه للولايات المتحدة وإسرائيل- إلا أنه يرى أن للاحتلال الأمريكي ميزة كبرى, وهى تخليص العراق من طاغية لا ترده أخلاق أو قوانين, فهو يتعاون مع هذا الاحتلال امتناناً له وأملاً في زواله في المستقبل.
أما ما أثر الغزو والاحتلال على العالم العربي؟, فإنه يمكن أن نشير إلى عدد من الآثار الهامة وكلها سلبية, كان أولها إثارة الجدل حول المبادرات الأمريكية. وأما الأثر الثاني, فهو شعور العالم العربي بالعجز والإحباط بسبب عدم قدرته على اتخاذ موقف من الاحتلال, وهذا يعود إلى سببين, أولهما: انقسام المجتمع العراقي والدول العربية حول رفض الغزو وقبوله, وثانيهما: عدم تجرؤ الدول العربية على مواجهة الولايات المتحدة, وكلها تخطب ودها وتتمنى رضاها. أما الأثر الثالث, فهو أن هذا العجز إزاء الغزو قد شجع الإرهاب ضد النظم العربية, فاشتدت وتيرة الاعمال الإرهابية في السعودية, بسبب تعقيدات العلاقة السعودية الأمريكية, وتركيز الضغوط الصهيونية على المملكة ضمن خطتها لاستهداف الدول الرئيسية في المنطقة. أما الأثر الرابع الهام, فهو أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق قد ساند مخططات شارون, حيث سمح لشارون بالمساهمة مع الولايات المتحدة بالاسلحة والمستشارين والمعلومات في الغزو, والتصدي للمقاومة, وممارسة نفس الأساليب ضد الشعب العراقي, فأدى الاحتلال إلى تشجيع شارون على المضي في أعمال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني, وتحطيم مقاومته, وخلق وقائع جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية جعلت مجرد تسمية الأشياء بمسمياتها أمراً محفوفاً بالمخاطر وتعجز عنه أفصح الألسنة.
ولاشك أن الغزو الأمريكي للعراق قد أدخل سوريا وإيران إلى دائرة الاستهداف, وشجع إسرائيل على الاستمرار في تأليب واشنطن ضد سوريا وإيران على الأقل بمناسبة الموقف في العراق, واتهام الدولتين بمساندة المقاومة العراقية على اي وجه من الوجوه, وإشاعة التوتر الدائم في العلاقات الأمريكية مع سوريا وإيران, وإثارة اسلحة الدمار الشامل لديهما.
وتعلن واشنطن صراحة مساندتها للتسليح الإسرائيلي وتفهمها لكل ما تقوم به إسرائيل لأنه من أعمال الدفاع الشرعي عن النفس. وقد ترتب على الإرهاب الأمريكي أن سكتت الدول العربية أو أيدت الموقف الأمريكي بأن المقاومة الفلسطينية إرهاباً, وقد أكد ذلك صراحة أحمد قريع رئيس وزراء فلسطين في تقريره عن أعمال حكومته إلى المجلس التشريعي. ورغم أن اعتبار الاستشهاد إرهاباً أمر تتفق عليه كل الحكومات العربية والأجنبية, إلا أن هذا التأكيد عقب اغتيال إسرائيل بشكل بربري للشيخ أحمد ياسين, وما أعقبه من مواقف إسرائيلية وأمريكية تتسم بالصلف والتحدي, يجعل لهذا الموقف طابعاً آخر.
لقد عاش العالم العربي عاماً مشحوناً بالتطورات السلبية الناجمة عن تطوير واشنطن لسياساتها من مستوى الضغوط السياسية والتدخلات الدبلوماسية العنيفة والمعارضة الصريحة للمصالح العربية إلى التدخل العسكري المباشر, وعسكرة سياساتها الخارجية, والاستهداف المتعمد للعالم العربي, وانشغل العالم العربي بمتابعة سياسات الاحتلال, وخاصة تمزيق العراق, وتشجيع الطائفية, والبحث عن وسائل للبقاء مع توقي تحديات البقاء, وأبرزها الخسائر الضخمة التي تلحق بقوات التحالف, وعجز العالم العربي عن تقديم أي شئ يخفف من آلام الشعب العراقي الذي دخل المرحلة الثالثة من فصول عذابه المتعددة, تارة على يد جلاده, وتارة ثانية بسبب العقوبات الدولية والعمليات العسكرية الأمريكية البريطانية من حين لآخر, بما في ذلك عمليات التحالف الدولي في عملية تحرير الكويت, وأخيراً ضحايا الغزو والاحتلال والاشتباك المسلح اليومي, وضياع أمل الشعب العراقي في نهاية لهذه الفصول المؤلمة.
إن مرور عام على الاحتلال الأمريكي للعراق حمل العالم العربي آلاماً جديدة بسبب العراق, وتفاقم الموقف في فلسطين, كما أدى إلى تراجع الموقف العربي حتى عن اتخاذ مواقف نظرية, بل دخل العالم العربي دوامة الجدل حول الإصلاح الذي أصبح الأجندة الرئيسية, وطفا على كل الآلام الأخرى, حتى بات العالم العربي لا يقدر حتى على عقد قمته السنوية, فانفجرت قمة تونس بسبب كل هذه التداعيات, حتى أصبحت عرضاً موجزاً لحالة العالم العربي بعد عام على الغزو ومضاعفات الاحتلال.
هناك لبس كبير في مسألة غزو العراق جعل الإجماع حول جوانب المشكلة العراقية بحاجة إلى دراسة, كما انه ليس مسلماً به. فإذا كان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وسياسات الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني تلقى إدانة دولية واجماعاً دولياً على ضرورة زوال الاحتلال وتوابعه الاستيطانية, وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولة مستقلة لأول مرة, فإن الأمر ليس كذلك في العراق, رغم أن العراق من الدول الرئيسية في أي نظام عربي, وكان له تأثيره سلباً في الغالب على مجمل القضايا العربية. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن كل العالم العربي تقريباً والعالم كله مجمع على ضرورة زوال صدام حسين بعد أن وقع في الفخ الأمريكي مرات ثلاث, عندما تصدى للسلام المصري الإسرائيلي لأغراض تخدم الولايات المتحدة وإسرائيل وتمزق المنطقة العربية, وعندما عمل لحساب الولايات المتحدة, بل والعالم كله في محاولة وأد الثورة الإسلامية في إيران وأضاع في سبيل هذه المغامرة الكثير, وأفقد فيها ما يضيق هذا المقال عن الإحاطة به, ثم كانت ثالثة الاثافي في غزو الكويت وضمها وابتلاعها حتى أكمل شروط حلول القدر المقدور عليه وعلى بلاده.
ولا شك أن الولايات المتحدة قد مهدت الأذهان لقبول غزو العراق, تارة بالأكاذيب التي رددتها حول أسلحة الدمار الشامل, ولكنها قدرت في كل الأحيان أن زوال صدام محل إجماع العالم العربي, رغم تحفظاتنا على أن تتم إزالته بأيدي تعمل لصالح إسرائيل.
هكذا تلقى العالم العربي عملية غزو العراق تحت تأثير الإعلام الأمريكي, والحث الصهيوني المكثف والجدل الدولي في مجلس الأمن, بمزيج من المعارضة والألم والعجز من ناحية, والارتياح لزوال طاغية عجزت القوى العربية والقوى الوطنية العراقية عن أزاحته من ناحية أخرى, فاستسلم العقل العربي في استراحته الإجبارية إلى فكرة خادعة, وهى أن ما أسمته الولايات المتحدة عملية حرية العراق قد يكون لها من اسمها بعض النصيب, رغم أنه مقتنع في أعماقه أن الدعاية الاستعمارية على مر العصور قد استخدمت دائماً الشعارات الإنسانية والخيرية لتبرير الاستعمار والسيطرة, ولم تكن واشنطن في هذه الحالة استثناء على القاعدة, عندما أعلن الرئيس بوش انه مبعوث العناية الإلهية, وأن حرية العراق ستكون نموذجاً يستفيد منه العالم العربي, مما أثار جدلاً حاداً بين المثقفين لا يزال محتدماً حتى الآن, وهو الربط بين الاستقلال وقضية الإصلاح الداخلي, على أساس أن غزو العراق سببه وجود نظام طاغية, وأن عجز الشعب عن إزاحته جعله يرحب بالغازي لمجرد تخليصه من الجلاد, وأصبح شعار هذا الجدل: هل يتم الإصلاح بيد الحاكم الوطني أم بيد المستعمر الأجنبي؟, واشتد الجدل, خاصة بعد أن استغلت الولايات المتحدة هذا المناخ المتوتر, فأطلقت عدداً من المبادرات تتعلق بعزمها على تحويل النظم الديكتاتورية إلى ديمقراطية وإنشاء منطقة الشرق الأوسط الكبير, وكلها صيغ تهدف جميعاً إلى بسط السيطرة على المنطقة باستغلال آمال الشعوب العربية في الحرية والكرامة, وهى آمال لن تحققها بالقطع المشروعات الأمريكية. ولما كانت الشعوب العربية تطمح فعلاً إلى إطلاق قدراتها وحرياتها ونيل حقوقها التي لم تسعفها النظم السياسية العربية التقليدية في عصر الانفتاح السياسي والثقافي والإعلامي, فقد اشتبك المشروع الأمريكي مع المشروع الرسمي العربي للإصلاح في معركة لا علاقة للشعوب العربية بها, سوى أن هذه الشعوب تتعرض لإشارات واضحة واستنهاض خبيث من الجانبين, فالولايات المتحدة حليف إسرائيل, وكلاهما سبب الشقاء العربي, ويزعمان التحالف مع الشعوب ضد النظم لتحقيق آمالها, والنظم تعتبر ذلك الخطاب ماساً بالكرامة الوطنية وتستنهض همة الشعوب في التصدي لهذا المخطط, واتخذت شعار لا للإصلاح من الخارج, نعم للإصلاح الداخلي, والشعوب تدرك أن الإصلاح الذي وعدوا به من الداخل أو من الخارج لن يجئ, وأن الشعوب لابد أن تستنهض طاقة المجتمع لتقويم ما أعوج في بنية النظام السياسي وتركيب السلطة في عملية تنمية منظمة ومخططة.
أظن أن هذه الاشكالية هى اهم ما ولده الغزو الأمريكي للعراق بعد مضي عام على هذا الغزو. وقد تكون المبادرات الأمريكية للإصلاح والديمقراطية جزءاً من مخطط أمريكي طويل الأجل, ولكنها بالقطع شغلت العالم العربي عن أحوال الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي, وتراهن واشنطن على قضية الاصلاح, وعلى استخدام أوراق أخرى تخدر بها المنطقة, حتى يظل الشعب العراقي يئن, بل إن بعض طوائف المجتمع العراقي لا تمانع في وجود الاحتلال لو أنه تمكن من فرض الأمن ووفر للناس أقواتهم, كما أن ممثل الحزب الإسلامي في مجلس الحكم العراقي قال صراحة في تصريحات إعلامية أن حزبه –رغم عدائه للولايات المتحدة وإسرائيل- إلا أنه يرى أن للاحتلال الأمريكي ميزة كبرى, وهى تخليص العراق من طاغية لا ترده أخلاق أو قوانين, فهو يتعاون مع هذا الاحتلال امتناناً له وأملاً في زواله في المستقبل.
أما ما أثر الغزو والاحتلال على العالم العربي؟, فإنه يمكن أن نشير إلى عدد من الآثار الهامة وكلها سلبية, كان أولها إثارة الجدل حول المبادرات الأمريكية. وأما الأثر الثاني, فهو شعور العالم العربي بالعجز والإحباط بسبب عدم قدرته على اتخاذ موقف من الاحتلال, وهذا يعود إلى سببين, أولهما: انقسام المجتمع العراقي والدول العربية حول رفض الغزو وقبوله, وثانيهما: عدم تجرؤ الدول العربية على مواجهة الولايات المتحدة, وكلها تخطب ودها وتتمنى رضاها. أما الأثر الثالث, فهو أن هذا العجز إزاء الغزو قد شجع الإرهاب ضد النظم العربية, فاشتدت وتيرة الاعمال الإرهابية في السعودية, بسبب تعقيدات العلاقة السعودية الأمريكية, وتركيز الضغوط الصهيونية على المملكة ضمن خطتها لاستهداف الدول الرئيسية في المنطقة. أما الأثر الرابع الهام, فهو أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق قد ساند مخططات شارون, حيث سمح لشارون بالمساهمة مع الولايات المتحدة بالاسلحة والمستشارين والمعلومات في الغزو, والتصدي للمقاومة, وممارسة نفس الأساليب ضد الشعب العراقي, فأدى الاحتلال إلى تشجيع شارون على المضي في أعمال الإبادة ضد الشعب الفلسطيني, وتحطيم مقاومته, وخلق وقائع جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية جعلت مجرد تسمية الأشياء بمسمياتها أمراً محفوفاً بالمخاطر وتعجز عنه أفصح الألسنة.
ولاشك أن الغزو الأمريكي للعراق قد أدخل سوريا وإيران إلى دائرة الاستهداف, وشجع إسرائيل على الاستمرار في تأليب واشنطن ضد سوريا وإيران على الأقل بمناسبة الموقف في العراق, واتهام الدولتين بمساندة المقاومة العراقية على اي وجه من الوجوه, وإشاعة التوتر الدائم في العلاقات الأمريكية مع سوريا وإيران, وإثارة اسلحة الدمار الشامل لديهما.
وتعلن واشنطن صراحة مساندتها للتسليح الإسرائيلي وتفهمها لكل ما تقوم به إسرائيل لأنه من أعمال الدفاع الشرعي عن النفس. وقد ترتب على الإرهاب الأمريكي أن سكتت الدول العربية أو أيدت الموقف الأمريكي بأن المقاومة الفلسطينية إرهاباً, وقد أكد ذلك صراحة أحمد قريع رئيس وزراء فلسطين في تقريره عن أعمال حكومته إلى المجلس التشريعي. ورغم أن اعتبار الاستشهاد إرهاباً أمر تتفق عليه كل الحكومات العربية والأجنبية, إلا أن هذا التأكيد عقب اغتيال إسرائيل بشكل بربري للشيخ أحمد ياسين, وما أعقبه من مواقف إسرائيلية وأمريكية تتسم بالصلف والتحدي, يجعل لهذا الموقف طابعاً آخر.
لقد عاش العالم العربي عاماً مشحوناً بالتطورات السلبية الناجمة عن تطوير واشنطن لسياساتها من مستوى الضغوط السياسية والتدخلات الدبلوماسية العنيفة والمعارضة الصريحة للمصالح العربية إلى التدخل العسكري المباشر, وعسكرة سياساتها الخارجية, والاستهداف المتعمد للعالم العربي, وانشغل العالم العربي بمتابعة سياسات الاحتلال, وخاصة تمزيق العراق, وتشجيع الطائفية, والبحث عن وسائل للبقاء مع توقي تحديات البقاء, وأبرزها الخسائر الضخمة التي تلحق بقوات التحالف, وعجز العالم العربي عن تقديم أي شئ يخفف من آلام الشعب العراقي الذي دخل المرحلة الثالثة من فصول عذابه المتعددة, تارة على يد جلاده, وتارة ثانية بسبب العقوبات الدولية والعمليات العسكرية الأمريكية البريطانية من حين لآخر, بما في ذلك عمليات التحالف الدولي في عملية تحرير الكويت, وأخيراً ضحايا الغزو والاحتلال والاشتباك المسلح اليومي, وضياع أمل الشعب العراقي في نهاية لهذه الفصول المؤلمة.
إن مرور عام على الاحتلال الأمريكي للعراق حمل العالم العربي آلاماً جديدة بسبب العراق, وتفاقم الموقف في فلسطين, كما أدى إلى تراجع الموقف العربي حتى عن اتخاذ مواقف نظرية, بل دخل العالم العربي دوامة الجدل حول الإصلاح الذي أصبح الأجندة الرئيسية, وطفا على كل الآلام الأخرى, حتى بات العالم العربي لا يقدر حتى على عقد قمته السنوية, فانفجرت قمة تونس بسبب كل هذه التداعيات, حتى أصبحت عرضاً موجزاً لحالة العالم العربي بعد عام على الغزو ومضاعفات الاحتلال.
Hijri Date Correction:
1