تعرض الموحدون في القرن الثالث عشر الهجري إلى عدوان خارجي تمثل في هجمات محمد علي باشا (والي مصر) الذي أرسل الجيوش لحرب الدعوة بأمر من الدولة العثمانية، وعندما رأى المنافقون والذين في قلوبهم مرض مسيرة هذه الجموع وتلك الحشود مزقوا العهود والمواثيق وارتدوا على أعقابهم، فقضى الله _تعالى_ أن يجري على الموحدين ما جرى من السنن الكونية.
فلما رأى الأعداء والمستشرقون ما جرى للموحدين أصدروا حكمهم على هذه الدعوة، ومنهم المستشرق (بلنت)، حيث قال: “ينبغي أن تعرف الآن كقصة من الماضي”(1) ، أما المستشرق (داؤتى) فقد ظن نفسه وصياً على الدولة حين قال: “لقد أوشكت الحكومة الوهابية على الهلاك، ولا يمكن أن تعاد إليها الروح من جديد… هذا هو الرأي السائد في نجد”(2) .
وكذلك القسيس (زويمر) فقد تعجل و أعلن حكمة المطلق، فقال: “لقد انتهت هذه الحركة بخيبة كاملة، ولقد ثبت الآن وجودها السياسي كان مجرد تمثيلية رائعة”(3) .
في تلك المدة الحالكة من تاريخ الدعوة الإسلامية قيض الله للموحدين علماء وأمراء رفعوا راية التوحيد وتصدوا للمعتدين، وكان الشيخ سليمان بن عبدالله – رحمه الله – أحد الذين تصدوا للمعتدين ومن معهم من المنافقين، فأصدر كتابه المشهور (الدلائل)، ودفع حياته ثمناً لذلك، فقال في شرح قوله _تعالى_: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [المائدة : 54] أخبر _تعالى_ أنه لابد عند وجود المرتدين من وجود المحبين المجاهدين، ووصفهم بالذلة والتواضع للمؤمنين، والعزة والغلظة والشدة على الكافرين، بضد من كان تواضعه وذله ولينه لعباد القباب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبر _تعالى_ أن هذا الخبر العظيم والصفات الحميدة لأهل الإيمان الثابتين على دينهم عند وقوع الردة والفتن، ليس بحولهم ولا بقوتهم، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء كما قال: “يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ” [البقرة: من الآية105] انتهى كلامه.
ومن الموحدين الذين حققوا الولاء والبراء وصبروا على البأساء والضراء حتى حقق الله لهم الظفر وأجرى على أيديهم النصر الإمام تركي بن عبدالله ، حيث دعا إلى الاجتماع ونبذ الفُرقة والتصدي للغزاة المعتدين فما هي إلا بضع سنوات من تدمير بلدة الدرعية حتى مكنه الله من محاصرة عساكر الترك في الرياض وأخرجهم، وتمكن بفضل الله من توحيد منطقة نجد في أقل من عامين، ثم وحد منطقة الأحساء في ثلاثة أعوام، وكان مما قاله – رحمه الله -: “ولكن الكبرى عدم إنكار المنكر، وتزيين الشيطان لبعض الناس إن كلاً ذنبه على جنبه، وفي الحديث “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليعمنكم الله بعقابه”(4)، ومن المعلوم أن إنكار المنكر من أهم مقتضيات الولاء والبراء.
وقد انقسمت أحوال الناس في تلك الفتنة ثلاثة أقسام:
حال المعتدين:
الشيخ عبدالرحمن بن حسن أحد الذين أُسروا إلى مصر فمكث بها ثمان سنوات ورأى بعينه مصير المعتدين وما انتهوا إليه من الخسران المبين، ثم عاد إلى الرياض بعد توحيدها، حيث قال عن إبراهيم باشا: “وبعد ذلك حج فسلط الله على عسكره الفناء ولا وصل مصر إلا بالقليل، فلما وصل مصر حل بهم عقوبات أهل الإسلام فمشى عل السودان ولا أظفره الله فرجع مريضاًَ”.
وقال أيضاً في كتابه (المقامات): “ثم إن الله – تعالى – أهلك تلك الدول بما أجرى عليهم من حرب النصارى في بلاد الروم، فكل دولة مشت على نجد والحجاز لم يبق منهم اليوم عين تطرف، وكانوا لا يحصي عددهم إلا الله فهلكوا في حرب النصارى”.
حال المرتدين:
أما حال المرتدين والمنافقين، فقد قال الشيخ فيهم عبدالرحمن بن حسن: “ثم إن الله أجرى على فئة أعانهم من أهل نجد ممن شك منهم في هذا الدين وأكثر الطعن على المسلمين أن الله – تعالى – أفناهم، وهذه أيضاً من العِبر لم يبق أحد ممن ظهر شره وإنكاره وعداوته للمسلمين إلا عُوجل بالهلاك والذهاب”.
حال الموحدين:
أما حال الموحدين الذين صبروا وصابروا على هذه الفتنة، فقد قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: “والمقصود بما ذكرنا الاعتبار بأن الله حفظ هذا الدين ومن تمسك به، وأيدهم بالنصر على ضعفهم وقلتهم، وأوقع بأسه بهذه الدول على قوتهم وكثرتهم وأسباب كيدهم، فصارت العاقبة والظهور لمن جاهدهم في الله من الموحدين، فجمع الله لهم بعد تلك الحوادث العظيمة من النعم والعز والنصر ما لا يخطر بالبال ولا يدور في الخيال”.
وقال أيضاً: “وهذا الذي ذكرناه فيه عبرة عظيمة وشاهد لأهل هذا الدين أن الله لما سلط عليهم عدوهم ونال منهم ما نال صار العاقبة السلامة والعافية لمن ثبت على دينه واستقام على دين الإسلام” انتهى كلامه.
ونحن _ولله الحمد_ نعيش إلى اليوم في ظل هذه الدعوة المباركة، ونسأل الله – تعالى – أن يجعلنا من المحبين المجاهدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________
(1) مسعود الندوي، محمد بن عبد الوهاب…، ص 123.
(2) المصدر السابق، ص 202.
(3) المصدر السابق، ص 124.
(4) عنوان المجد، جزء 2، صفحة 114.
فلما رأى الأعداء والمستشرقون ما جرى للموحدين أصدروا حكمهم على هذه الدعوة، ومنهم المستشرق (بلنت)، حيث قال: “ينبغي أن تعرف الآن كقصة من الماضي”(1) ، أما المستشرق (داؤتى) فقد ظن نفسه وصياً على الدولة حين قال: “لقد أوشكت الحكومة الوهابية على الهلاك، ولا يمكن أن تعاد إليها الروح من جديد… هذا هو الرأي السائد في نجد”(2) .
وكذلك القسيس (زويمر) فقد تعجل و أعلن حكمة المطلق، فقال: “لقد انتهت هذه الحركة بخيبة كاملة، ولقد ثبت الآن وجودها السياسي كان مجرد تمثيلية رائعة”(3) .
في تلك المدة الحالكة من تاريخ الدعوة الإسلامية قيض الله للموحدين علماء وأمراء رفعوا راية التوحيد وتصدوا للمعتدين، وكان الشيخ سليمان بن عبدالله – رحمه الله – أحد الذين تصدوا للمعتدين ومن معهم من المنافقين، فأصدر كتابه المشهور (الدلائل)، ودفع حياته ثمناً لذلك، فقال في شرح قوله _تعالى_: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” [المائدة : 54] أخبر _تعالى_ أنه لابد عند وجود المرتدين من وجود المحبين المجاهدين، ووصفهم بالذلة والتواضع للمؤمنين، والعزة والغلظة والشدة على الكافرين، بضد من كان تواضعه وذله ولينه لعباد القباب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبر _تعالى_ أن هذا الخبر العظيم والصفات الحميدة لأهل الإيمان الثابتين على دينهم عند وقوع الردة والفتن، ليس بحولهم ولا بقوتهم، وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء كما قال: “يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ” [البقرة: من الآية105] انتهى كلامه.
ومن الموحدين الذين حققوا الولاء والبراء وصبروا على البأساء والضراء حتى حقق الله لهم الظفر وأجرى على أيديهم النصر الإمام تركي بن عبدالله ، حيث دعا إلى الاجتماع ونبذ الفُرقة والتصدي للغزاة المعتدين فما هي إلا بضع سنوات من تدمير بلدة الدرعية حتى مكنه الله من محاصرة عساكر الترك في الرياض وأخرجهم، وتمكن بفضل الله من توحيد منطقة نجد في أقل من عامين، ثم وحد منطقة الأحساء في ثلاثة أعوام، وكان مما قاله – رحمه الله -: “ولكن الكبرى عدم إنكار المنكر، وتزيين الشيطان لبعض الناس إن كلاً ذنبه على جنبه، وفي الحديث “لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليعمنكم الله بعقابه”(4)، ومن المعلوم أن إنكار المنكر من أهم مقتضيات الولاء والبراء.
وقد انقسمت أحوال الناس في تلك الفتنة ثلاثة أقسام:
حال المعتدين:
الشيخ عبدالرحمن بن حسن أحد الذين أُسروا إلى مصر فمكث بها ثمان سنوات ورأى بعينه مصير المعتدين وما انتهوا إليه من الخسران المبين، ثم عاد إلى الرياض بعد توحيدها، حيث قال عن إبراهيم باشا: “وبعد ذلك حج فسلط الله على عسكره الفناء ولا وصل مصر إلا بالقليل، فلما وصل مصر حل بهم عقوبات أهل الإسلام فمشى عل السودان ولا أظفره الله فرجع مريضاًَ”.
وقال أيضاً في كتابه (المقامات): “ثم إن الله – تعالى – أهلك تلك الدول بما أجرى عليهم من حرب النصارى في بلاد الروم، فكل دولة مشت على نجد والحجاز لم يبق منهم اليوم عين تطرف، وكانوا لا يحصي عددهم إلا الله فهلكوا في حرب النصارى”.
حال المرتدين:
أما حال المرتدين والمنافقين، فقد قال الشيخ فيهم عبدالرحمن بن حسن: “ثم إن الله أجرى على فئة أعانهم من أهل نجد ممن شك منهم في هذا الدين وأكثر الطعن على المسلمين أن الله – تعالى – أفناهم، وهذه أيضاً من العِبر لم يبق أحد ممن ظهر شره وإنكاره وعداوته للمسلمين إلا عُوجل بالهلاك والذهاب”.
حال الموحدين:
أما حال الموحدين الذين صبروا وصابروا على هذه الفتنة، فقد قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: “والمقصود بما ذكرنا الاعتبار بأن الله حفظ هذا الدين ومن تمسك به، وأيدهم بالنصر على ضعفهم وقلتهم، وأوقع بأسه بهذه الدول على قوتهم وكثرتهم وأسباب كيدهم، فصارت العاقبة والظهور لمن جاهدهم في الله من الموحدين، فجمع الله لهم بعد تلك الحوادث العظيمة من النعم والعز والنصر ما لا يخطر بالبال ولا يدور في الخيال”.
وقال أيضاً: “وهذا الذي ذكرناه فيه عبرة عظيمة وشاهد لأهل هذا الدين أن الله لما سلط عليهم عدوهم ونال منهم ما نال صار العاقبة السلامة والعافية لمن ثبت على دينه واستقام على دين الإسلام” انتهى كلامه.
ونحن _ولله الحمد_ نعيش إلى اليوم في ظل هذه الدعوة المباركة، ونسأل الله – تعالى – أن يجعلنا من المحبين المجاهدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________
(1) مسعود الندوي، محمد بن عبد الوهاب…، ص 123.
(2) المصدر السابق، ص 202.
(3) المصدر السابق، ص 124.
(4) عنوان المجد، جزء 2، صفحة 114.
Hijri Date Correction:
1