“لو كنت رمضان لما مررت على عمان!” بهذه الكلمات عبر أحد المثقفين الأردنيين عن رؤيته لملامح الشهر الكريم في العاصمة الأردنية.
ويقول الكاتب والصحفي موفق محادين: “هذه المدينة تغتال هذا الشهر وتحوله إلى طعام فقط، لا طقوس لشهر يحتاج إلى قلب، حتى الشوارع تصبح متوحشة عصبية تنوء بسيارات يتسابق أصحابها نحو الشراء والشراء فقط، أما في المساء فنشاهد خياماً تسمى رمضانية هي في حقيقتها لهز الأوساط وتناول النارجيلة والسهر حتى الصباح”. الإحساس هو الذي يعطي معنى لهذا الشهر، ولكنه في عمان لم يتعد مظهر الواجب الذي لا يرافقه ذلك الدفق الروحي .
وإذا كان السؤال: هل عمان وحدها كذلك بين المدن العربية ليس مكانه في هذا التقرير، فإن هناك سؤالاً آخر لا بد من
الإجابة عنه، هو: هل كانت عمان هكذا قبل عقود؟ وإن كانت الإجابة بلا، فما الذي أوصلها إلى هذه الحال؟
ربما تكمن الإجابة فيما قيل عن عمان بأنها مجموعة قرى اقتربت من بعضها بحكم الزمن، ولكن الحقيقة أيضاً تقول: إن المدينة كانت تملك وجهاً جميلاً، عكس مزيجاً من ثقافة الدمشقيين الذين قدموا إلى المدينة مع بدايات القرن الماضي وعملوا في التجارة، وكذلك الشركس الذين شكلت هجراتهم إلى عمان عامل إثراء ثقافي واجتماعي للمدينة.
عقارات، سيارات، ، وفقر…، وكل ذلك تكون بفعل طفرات اجتماعية واقتصادية أفقدت المجتمع توازنه، وأفرزت ظواهر عديدة أبرزها ذلك الاندفاع المحموم نحو بناء العمارات المرتفعة والمجمعات التجارية، بالتزامن مع تزايد معدلات الفقر والبطالة وشيوع النمط الاستهلاكي.
فالمدينة شهدت هجرات داخلية وخارجية عديدة، وبعضها كان يثقل كاهلها بصورة أوقفت نموها الطبيعي والحضاري بالشكل الصحيح، وأمام ذلك كله يظهر السؤال ملحاً: كيف يمكن لمدينة تنوء تحت مأزق الهوية أن تشكل نمطاً ثقافياً مميزاً يصبغ حياة سكانها في كل زمان وليس في شهر رمضان فقط؟
ومع ذلك كله نستطيع أن نلتقط بعضاً من مظاهر احتفاء مختلف بالشهر الكريم في أماكن محدودة من عمان وبشكل أكثر تحديداً في وسط البلد، وهو المكان الذي ما زال يحوي بين جنباته المسجد الحسيني الكبير (أكبر مساجد عمان)، وعدداً من الأسواق المميزة، مثل: سوق البخارية نسبة إلى التجار القادمين من بخارى، وسوق اليمانية نسبة إلى تجار اليمن، إضافة إلى سوق العطارين، وهذه الأسواق تشهد حركة وإقبالاً في شهر رمضان، ولكنها تكون مميزة في الليل بعد ساعات الإفطار لقربها من المسجد.
ولعل استعراضاً لأسماء الأسواق المحدثة في العاصمة يدل بصورة كبيرة على النسق الثقافي الذي وصلت إليه، لنجد سوقاً في وسط العاصمة يحمل اسم سوق الحرامية؛ لأن الكثير من القطع المسروقة تباع فيه، ولا تتوقف حركة بيع المسروقات خلال الشهر الفضيل!، وهناك أيضاً سوق الجورة، وهو سوق شعبي يباع فيه كل ما يخطر ولا يخطر على بال، فإضافة إلى الملابس والأدوات الكهربائية ينشط فيها باعة المخدرات والممنوعات، ويروج التجار لبضائعهم بعبارات ملغزة لا يفهمها إلا أبناء “الكار” نفسه، ويواكب هذه الأسواق ويسير على منوالها سوق الملابس المستعملة “البالة”، وهو السوق الذي يشهد إقبالاً كبيراً في العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث تتعالى أصوات الباعة والمنادين: “اللي ماله باله.. ماله عيد!”.
ولشهر رمضان عند سكان الأردن عموماً أكلات مشهورة، ولكن”القطايف” تحديداً هي الحلوى التي تحضر بشكل يومي ودائم على مائدة الجميع، وفي وسط البلد يصعد الناس يومياً درجاً صغيراً يؤدي إلى أقدم وأشهر محل لبيع القطايف في عمان وهو محل يعود إنشاؤه إلى ستينيات القرن الماضي.
ولعل الجانب المتعلق بالطعام يجعل الأسر تشعر بالإرهاق المادي خاصة مع شيوع “العزايم” والدعوات إلى موائد الإفطار، في إطار واجب اجتماعي لا تلغيه الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الأسر، وعلى موائد الرحمن التي تنظمها وزارة الأوقاف، إضافة إلى عدد من الجمعيات والمحسنين يجتمع عدد كبير من الناس ليسوا جميعهم من الفقراء، وقد أصبحت هذه الموائد تقليداً تشهده عمان طوال أيام الشهر الفضيل.
وفي تقليد لما يحدث في القاهرة ودمشق يحاول بعض سكان عمان أن يحدثوا طقوساً تستقبل الشهر الزائر بالترحاب، حيث بدأت في السنوات الأخيرة تنتشر ظاهرة فوانيس رمضان التي يقبل على شرائها الأطفال، إضافة إلى أنشطة ثقافية لبعض المنتديات، ولكنها بقيت في المجمل أقل من أن توصف بأنها ملمح ثقافي عام يتعدى إطلاق الألعاب النارية التي تطلق في سماء المدينة لمناسبة الأعراس ونتائج الثانوية العامة والمناسبات الوطنية الصغيرة والكبيرة.
ويقول الكاتب والصحفي موفق محادين: “هذه المدينة تغتال هذا الشهر وتحوله إلى طعام فقط، لا طقوس لشهر يحتاج إلى قلب، حتى الشوارع تصبح متوحشة عصبية تنوء بسيارات يتسابق أصحابها نحو الشراء والشراء فقط، أما في المساء فنشاهد خياماً تسمى رمضانية هي في حقيقتها لهز الأوساط وتناول النارجيلة والسهر حتى الصباح”. الإحساس هو الذي يعطي معنى لهذا الشهر، ولكنه في عمان لم يتعد مظهر الواجب الذي لا يرافقه ذلك الدفق الروحي .
وإذا كان السؤال: هل عمان وحدها كذلك بين المدن العربية ليس مكانه في هذا التقرير، فإن هناك سؤالاً آخر لا بد من
الإجابة عنه، هو: هل كانت عمان هكذا قبل عقود؟ وإن كانت الإجابة بلا، فما الذي أوصلها إلى هذه الحال؟
ربما تكمن الإجابة فيما قيل عن عمان بأنها مجموعة قرى اقتربت من بعضها بحكم الزمن، ولكن الحقيقة أيضاً تقول: إن المدينة كانت تملك وجهاً جميلاً، عكس مزيجاً من ثقافة الدمشقيين الذين قدموا إلى المدينة مع بدايات القرن الماضي وعملوا في التجارة، وكذلك الشركس الذين شكلت هجراتهم إلى عمان عامل إثراء ثقافي واجتماعي للمدينة.
عقارات، سيارات، ، وفقر…، وكل ذلك تكون بفعل طفرات اجتماعية واقتصادية أفقدت المجتمع توازنه، وأفرزت ظواهر عديدة أبرزها ذلك الاندفاع المحموم نحو بناء العمارات المرتفعة والمجمعات التجارية، بالتزامن مع تزايد معدلات الفقر والبطالة وشيوع النمط الاستهلاكي.
فالمدينة شهدت هجرات داخلية وخارجية عديدة، وبعضها كان يثقل كاهلها بصورة أوقفت نموها الطبيعي والحضاري بالشكل الصحيح، وأمام ذلك كله يظهر السؤال ملحاً: كيف يمكن لمدينة تنوء تحت مأزق الهوية أن تشكل نمطاً ثقافياً مميزاً يصبغ حياة سكانها في كل زمان وليس في شهر رمضان فقط؟
ومع ذلك كله نستطيع أن نلتقط بعضاً من مظاهر احتفاء مختلف بالشهر الكريم في أماكن محدودة من عمان وبشكل أكثر تحديداً في وسط البلد، وهو المكان الذي ما زال يحوي بين جنباته المسجد الحسيني الكبير (أكبر مساجد عمان)، وعدداً من الأسواق المميزة، مثل: سوق البخارية نسبة إلى التجار القادمين من بخارى، وسوق اليمانية نسبة إلى تجار اليمن، إضافة إلى سوق العطارين، وهذه الأسواق تشهد حركة وإقبالاً في شهر رمضان، ولكنها تكون مميزة في الليل بعد ساعات الإفطار لقربها من المسجد.
ولعل استعراضاً لأسماء الأسواق المحدثة في العاصمة يدل بصورة كبيرة على النسق الثقافي الذي وصلت إليه، لنجد سوقاً في وسط العاصمة يحمل اسم سوق الحرامية؛ لأن الكثير من القطع المسروقة تباع فيه، ولا تتوقف حركة بيع المسروقات خلال الشهر الفضيل!، وهناك أيضاً سوق الجورة، وهو سوق شعبي يباع فيه كل ما يخطر ولا يخطر على بال، فإضافة إلى الملابس والأدوات الكهربائية ينشط فيها باعة المخدرات والممنوعات، ويروج التجار لبضائعهم بعبارات ملغزة لا يفهمها إلا أبناء “الكار” نفسه، ويواكب هذه الأسواق ويسير على منوالها سوق الملابس المستعملة “البالة”، وهو السوق الذي يشهد إقبالاً كبيراً في العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث تتعالى أصوات الباعة والمنادين: “اللي ماله باله.. ماله عيد!”.
ولشهر رمضان عند سكان الأردن عموماً أكلات مشهورة، ولكن”القطايف” تحديداً هي الحلوى التي تحضر بشكل يومي ودائم على مائدة الجميع، وفي وسط البلد يصعد الناس يومياً درجاً صغيراً يؤدي إلى أقدم وأشهر محل لبيع القطايف في عمان وهو محل يعود إنشاؤه إلى ستينيات القرن الماضي.
ولعل الجانب المتعلق بالطعام يجعل الأسر تشعر بالإرهاق المادي خاصة مع شيوع “العزايم” والدعوات إلى موائد الإفطار، في إطار واجب اجتماعي لا تلغيه الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض الأسر، وعلى موائد الرحمن التي تنظمها وزارة الأوقاف، إضافة إلى عدد من الجمعيات والمحسنين يجتمع عدد كبير من الناس ليسوا جميعهم من الفقراء، وقد أصبحت هذه الموائد تقليداً تشهده عمان طوال أيام الشهر الفضيل.
وفي تقليد لما يحدث في القاهرة ودمشق يحاول بعض سكان عمان أن يحدثوا طقوساً تستقبل الشهر الزائر بالترحاب، حيث بدأت في السنوات الأخيرة تنتشر ظاهرة فوانيس رمضان التي يقبل على شرائها الأطفال، إضافة إلى أنشطة ثقافية لبعض المنتديات، ولكنها بقيت في المجمل أقل من أن توصف بأنها ملمح ثقافي عام يتعدى إطلاق الألعاب النارية التي تطلق في سماء المدينة لمناسبة الأعراس ونتائج الثانوية العامة والمناسبات الوطنية الصغيرة والكبيرة.
Hijri Date Correction:
1